لم تقتصر مأساة حرب الخرطوم على السودانيين فحسب، بل عاش النازحون من جنسيات أخرى أقسى تداعياتها في ظل ظروف عيش صعبة بمراكز الإيواء في مدينة بورتسودان شرق البلاد.
ولجأ إلى السودان في الأزمنة السابقة للحرب الآلاف من مواطني دول مختلفة وعاشوا فيه سنوات عدة بصفة “لاجئين” هرباً من أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية متعثرة في بلادهم، كما هي الحال في سوريا والصومال واليمن وأفريقيا الوسطى وغيرها، لكنهم لم يتوقعوا في أسوأ كوابيسهم أن يتحول البلد الذي قصدوه طلباً للأمان إلى نسخة مشابهة لما تركوه خلفهم من قصف ودمار ورصاص.
وبحسب آخر إحصائية، فإن عدد اللاجئين الأجانب في معسكرات الإيواء بولاية البحر الأحمر بلغ ستة آلاف و200 لاجئ.
وضع كارثي
يقول منهل أبو عمر، وهو لاجئ سوري إنه “غادر الخرطوم عقب اندلاع الحرب واتجه إلى مدينة بورتسودان شرق العاصمة هرباً من جحيم القتال” بعد أن روَّع العنف والرصاص أطفاله، فضلاً عن تفاقم أزمة الكهرباء والمياه.
وأضاف أنهم “اختاروا وجهة النزوح بهدف الاستقرار النفسي والبحث عن عمل يسهم في توفير حاجات الأسرة وتعليم الأطفال والعيش الكريم بعيداً من أحداث الاشتباكات المسلحة وتداعياتها”.
ووصف أبوعمر الوضع الإنساني في معسكرات الإيواء بـ”الكارثي” نظراً إلى عدم وجود المواد الغذائية والرعاية الصحية، علاوة على انتشار البعوض والذباب، مع سوء المراحيض التي تحتاج إلى الصيانة.
وأشار اللاجئ السوري إلى أنه “لا توجد مؤشرات لتحسن الظروف في الوقت الحالي، والأمر المثير للقلق أن الأطفال لم يجدوا حظهم من التعليم، بخاصة في ظل استمرار إغلاق المدارس أبوابها في كل ولايات السودان”.
ولفت أبوعمر إلى أن “اللاجئين يعيشون دون المستوى من الغذاء والصحة وبات أملهم مفقوداً في تلقي المساعدات، إذ لا يوجد دعم من منظمات إنسانية تنقذ الآلاف من الوضع الراهن وتعيد لهم البسمة والتفاؤل بواقع أفضل”.
معاناة ومآس
قبل 12 عاماً، قصد إسحاق عثمان الخرطوم قادماً من أفريقيا الوسطى، غير أن اندلاع الصراع المسلح أجبره على التوجه إلى مدينة بورتسودان قبل ستة أشهر ليستقر في معسكر دار المعلم للنازحين.
يرى عثمان أن “ما يجمع بين اللاجئين رحلة متصلة من المآسي منذ أكثر من نصف عام، وتتفاقم فجر كل يوم جديد من دون وجود حلول تلوح في الأفق من المنظمات على رغم الأوضاع المعقدة التي يعيشها المقيمون في المعسكر”.
وأوضح أن “دار المعلم للإيواء تضم 60 نازحاً من دول أفريقية عدة، على رأسها الصومال وأفريقيا الوسطى، ويعاني كثير منهم في سبيل توفير الحاجات اليومية من غذاء ومياه شرب، ويضطر آخرون لتناول وجبة واحدة في اليوم بظل ظروف صعبة، لا سيما مع دخول فصل الشتاء”.
وشدد عثمان على ضرورة الالتفاف إلى أوضاع اللاجئين الأجانب في السودان نظراً إلى استمرار الحرب، من ثم فإن الأزمات تتفاقم كل يوم ولا يملك الغالبية أموالاً تعينهم على شراء حاجاتهم بخاصة بعد نفاد مدخراتهم وتوقف الأعمال اليومية.
جوع وأمراض
من جانبها تقول أسمهان محسن، وهي لاجئة يمنية، إن “المعاناة في معسكرات النزوح تأخذ أشكالاً مختلفة، منها عدم توافر الغذاء والدواء لكثير من الأسر، خصوصاً الأطفال وكبار السن، وغياب مساعدات المنظمات الدولية، ونحن من قبل عشنا وتحملنا الألم، من ثم لا ذنب لأطفالنا، ولن نسمح أن تكرر تجربتنا”.
وأضافت أن “الجوع دهم غالبية الفارين وبات الجميع يعيش أوضاعاً في غاية الصعوبة والبؤس، في ظل تفشي الأوبئة وانعدام الرعاية الصحية والأدوية ومياه الشرب، فضلاً عن أزمة الصرف الصحي”.
وتخشى محسن على أطفالها من المرض بسبب “انتشار حمى الضنك”، مؤكدة أن مناعتهم ضعيفة بسبب سوء التغذية في ظل تزايد موجة البرد ونفاد المدخرات المالية والعجز عن شراء الأدوية.
خيار الهجرة
إيناس مصطفى، التي لجأت إلى السودان قادمة من سوريا قبل ثمانية أعوام، تعاني ظروفاً صعبة في معسكر للنازحين بمدينة بورتسودان. مع مرور الوقت نفدت أموال أسرتها إلى الحد الذي عجز فيه زوجها عن شراء المحاليل الوريدية اللازمة لعلاج حمى الضنك، ليتكفل فاعلو الخير بعلاجه.
تقول مصطفى إن “توقف زوجها عن العمل في الخرطوم أجبرهم على السكن في مراكز الإيواء لعدم تمكنهم من استئجار منزل في ظل ارتفاع الأسعار وتسجيلها أرقاماً غير مسبوقة في الولايات الآمنة”.
وتابعت المتحدثة “لا أمل في تغير الأوضاع إلى الأفضل، ونرغب في الخروج من السودان والهجرة لأي دولة في العالم، لأن استمرار الحرب يضاعف معاناتنا ويفاقم أزماتنا التي لا تنتهي، ونسعى إلى واقع مختلف لأطفالنا”.