شهد اليومان الأخيران تصعيداً عند الحدود اللبنانية – الإسرائيلية مع سقوط أكثر من 16 قتيلاً في القصف المتبادل بين الجيش الإسرائيلي و”حزب الله”، وسط مخاوف من اتساع رقعة الاشتباكات بين الطرفين وتحولها إلى حرب مفتوحة.
فقد أعلن “حزب الله” وحليفته حركة “أمل”، ليل أمس الأربعاء، أن غارتين جويتين إسرائيليتين على جنوب لبنان أوقعتا ثمانية قتلى في صفوفهما، بينهم مسعفون، قبل أن يرتفع العدد صباح اليوم الخميس إلى تسعة قتلى إثر إعلان وفاة عنصر في الحزب.
وقتل هؤلاء في غارات استهدفت بلدتي طيرحرفا والناقورة، حيث تعرّضت استراحة للتدمير فيما سجلت أضرار جسيمة في الممتلكات والبنى التحتية وبخاصة شبكتي الكهرباء والمياه، وفق ما أفادت “الوكالة الوطنية للإعلام” الرسمية في لبنان. وأضافت الوكالة أن الغارة على طيرحرفا أدت كذلك إلى تدمير عدد من المنازل المحيطة وإحراق عدد من السيارات.
وأتت هاتان الغارتان بعد أن أعلن “حزب الله” أنه قصف مدينة كريات شمونة في شمال إسرائيل بـ”عشرات الصواريخ”، ما أدى إلى مقتل مدني في صاروخ أصاب المصنع الذي يعمل فيه. وقال الحزب إنه شنّ هذا القصف رداً على مقتل سبعة مسعفين وجرح أربعة مدنيين في غارة جوية استهدفت فجر أمس الأربعاء مركزاً إسعافياً في بلدة الهبّارية جنوب لبنان تابعاً لـ”الجماعة الإسلامية” المقرّبة من حركة “حماس”.
من جهته، أوضح الجيش الإسرائيلي في بيان أمس أن القصف على الهبّارية استهدف “مجمعاً عسكرياً”، مضيفاً أنه “تم القضاء في المجمع على قيادي إرهابي كبير ينتمي إلى تنظيم الجماعة الإسلامية ونفذ هجمات ضد الأراضي الإسرائيلية وكذلك إرهابيين آخرين كانوا معه”.
التفوق الإسرائيلي
ويثير هذا التصعيد مخاوف من انزلاق الوضع إلى حرب مفتوحة بين “حزب الله” وإسرائيل.
وفي هذا السياق، يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني جورج نادر، إنه في بداية المواجهات بين “حزب الله” وإسرائيل، التزم الطرفان في ما عُرف بـ”قواعد الاشتباك”، والتي يقصد بها الرد على الاستهدافات بطرق متناسبة وضمن منطقة جغرافية محددة. ويوضح نادر أنه في الحروب عادةً، تكون حصيلة الضحايا المدنيين أكبر من العسكريين، لكن في جنوب لبنان انعكس الأمر، حيث الضحايا المدنيون أقل بكثير من العسكريين، لأن إسرائيل تستهدف بشكل أساسي عناصر “حزب الله” والمجموعات المسلحة الأخرى، وذلك بفضل تفوقها التكنولوجي وشبكة العملاء المعقدة التي أقامتها وتتيح لها ملاحقة القيادات المسلحة حتى في العمق اللبناني جنوباً وبقاعاً وفي بيروت. وبالتالي، كسرت إسرائيل “قواعد الاشتباك” لأن لديها القدرة على تنفيذ اغتيالات بواسطة طائراتها المسيّرة من دون أي كلفة بشرية.
ويعتبر نادر أن إسرائيل استعادت زمام المبادرة في كل من قطاع غزة ولبنان، حيث “رد فعل حزب الله لا يتناسب بتاتاً مع أفعال إسرائيل لأن لا قدرة لديه على ذلك”. ويضيف العميد المتقاعد، “يعاني حزب الله من إفلاس سياسي وعسكري، فقد فقد دعم كل الأطراف في الداخل والأكثرية الساحقة من اللبنانيين، حتى ضمن البيئة الحاضنة له، هي ضد الحرب، وبات الحزب اليوم شبه معزول، يأخذ القرار وحده ولا يستطيع التراجع ولا التقدم”.
“حزب الله محشور”
وفي ما يتعلق بما يمكن أن تؤول إليه الأمور على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، يرى نادر أن “حزب الله اليوم في أسوأ حالاته، وهو أمام خيارين أحلاهما مر: إما تنفيذ القرار 1701، وبذلك يسقط أمام الرأي العام مع سقوط ادعاءاته على مدى 30 عاماً بأنه مقاومة ستحرر القدس، أو يواصل استفزاز إسرائيل عبر الرد بضربات تتناسب مع أفعالها، وفي هذه الحالة يستجلب الحرب والدمار الشامل للبنان، ويكون أيضاً قد انتهى”.
ويضيف نادر أن إسرائيل ستواصل الضغط عسكرياً ودبلوماسياً على “حزب الله” لإجباره على تطبيق القرار الدولي 1701 الذي يقضي بخلو منطقة جنوب الليطاني في لبنان من المسلحين، وبالتالي إبعاد خطر “حزب الله” عن حدودها، لأنها “غير قادرة على إنهائه كونه حزباً يمثل شريحة من اللبنانيين ومنتشراً في كل الأراضي اللبنانية على عكس حركة حماس المحصورة في غزة فقط”.
في المقابل، أكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” الشيخ علي دعموش، في تصريحات اليوم، أن الحزب ماض في المواجهة و”لن يتأخر في الرد السريع والقاطع على كل اعتداء إسرائيلي”، مضيفاً أن الحزب اتخذ قراراً بـ”مقابلة التصعيد بالتصعيد والتوسعة بالتوسعة”. وقال إن على إسرائيل أن تفهم أن “حزب الله” ليست مردوعاً، وأنه لن يقبل أن تتوسع في اعتداءاتها على لبنان من دون أن تدفع “الثمن الغالي”.
تبادل القصف
وفي التطورات الميدانية، أعلن “حزب الله” اليوم أنه استهدف بالصواريخ مقر قيادة كتيبة ليمان المستحدث، ورد على القصف الإسرائيلي الذي طاول طيرحرفا والناقورة باستهداف مستعمرتي غورن وشلومي الإسرائيليتين.
وأفادت “الوكالة الوطنية للإعلام” بأن الجيش الإسرائيلي استهدف اليوم أطراف بلدات الظهيرة، وزبقين، وعلما الشعب، والناقورة، ومجدل زون، وطيرحرفا، ووادي حامول، بعدد من القذائف المدفعية.
وأضافت الوكالة أن الطيران الاستطلاعي الإسرائيلي واصل صباح اليوم التحليق فوق قرى القطاعين الغربي والأوسط جنوب لبنان، وصولاً حتى مشارف مدينة صور. وأضافت أن الطائرات الإسرائيلية أطلقت ليلاً القنابل الضوئية فوق قرى قضاءي صور وبنت جبيل، وعدداً من قذائف المدفعية الثقيلة على أطراف بلدات مروحين والضهيرة وعيتا الشعب.
الأمم المتحدة تندد
وأعربت الأمم المتحدة اليوم عن قلقها جراء الهجمات المتكررة و”غير المقبولة” على المرافق الصحية والعاملين الصحيين في جنوب لبنان.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا في بيان، “أدت الأحداث المروعة التي وقعت خلال الـ36 ساعة الماضية إلى خسائر كبيرة”، مضيفاً “قُتل ما لا يقل عن 11 مدنياً في يوم واحد، من بينهم 10 مسعفين”. وتابع، “أشعر بقلق بالغ بشأن الهجمات المتكررة على المرافق الصحية والعاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم لتقديم المساعدة الطارئة لمجتمعاتهم المحلية”.
وأشار ريزا إلى أن “الهجمات على مرافق الرعاية الصحية تنتهك القانون الإنساني الدولي وهي غير مقبولة”. وذكّر المسؤول الأممي بأن قواعد الحرب تشمل “حماية المدنيين بمن فيهم العاملين في مجال الرعاية الصحية”. وشدّد على ضرورة “حماية البنية التحتية المدنية بما في ذلك المرافق الصحية”.
في المقابل، أفاد الجيش الإسرائيلي صباح اليوم بدوي صفارات الإنذار مرات عدة في مناطق شمال إسرائيل.
ويجري قصف متبادل بشكل شبه يومي عبر الحدود اللبنانية – الإسرائيلية بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). وتشنّ إسرائيل منذ أسابيع غارات جوّية أكثر عمقاً داخل الأراضي اللبنانية تستهدف مواقع لـ”حزب الله”.
ومنذ بداية تبادل القصف بين الجانبين، قُتل في لبنان 338 شخصاً على الأقل معظمهم عناصر في “حزب الله”، إضافة إلى 57 مدنياً، بحسب حصيلة أعدّتها وكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى بيانات الحزب ومصادر رسمية لبنانية.
في المقابل، قتل في الجانب الإسرائيلي 10 عسكريين وثمانية مدنيين بنيران مصدرها لبنان.