ألغى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مساء الخميس الماضي، الاجتماع الذي كان مقرراً لمواصلة نقاش اجتماع مساء الأربعاء الذي انتهى من دون التوصل إلى اتفاق حول الموقف الإسرائيلي من مطالب حركة “حماس” في مفاوضات صفقة الأسرى، ونقل القرار بشأن الصفقة إلى المجلس الأمني الوزاري المصغر على رغم احتجاج وغضب أعضاء “الكابينت” الحربي الذين لم يفهموا سبب الإلغاء المفاجئ للاجتماع.
وكان اجتماع “الكابينت” الحربي، انعقد، مساء الأربعاء، وسط انقسام المجتمعين حول التنازلات التي تقدمها إسرائيل من أجل استعجال إعادة الأسرى في غزة إلى بيوتهم، وبرز موقف رئيس “الموساد” ديفيد برنياع الذي دعا فيه إلى ليونة في الموقف الإسرائيلي، الأمر الذي رفضه نتنياهو وقرر نقل القرار إلى المجلس الوزاري الأمني المصغر الذي يضمن فيه نتنياهو أكثرية داعمة لموقفه.
وأتت هذه التطورات في وقت اضطر نتنياهو إلى التراجع عن قرارين اتخذهما مطلع هذا الأسبوع، بعد الضغوط الخارجية والداخلية وتحميله مسؤولية ما بات يعتبره الإسرائيليون فشل حرب “طوفان الأقصى”، وسمح لوزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي، بالتوجه إلى واشنطن، الأسبوع المقبل، لبحث ملف رفح وصفقة الأسرى، وبانتظار الوسطاء في الدوحة لاستئناف المفاوضات لإرسال رئيس “الموساد” إلى هناك.
ضغوط أميركية
الضغوط الأميركية تأتي في سياق الخلافات بين واشنطن وتل أبيب حول مصير سكان رفح، تحديداً الخطة التي أعدتها إسرائيل لإخلاء مليون و400 ألف خارج رفح قبل البدء في التوغل، وأبلغ مسؤولون أميركيون نظراءهم الإسرائيليين بأن المناقشات مع وزير الأمن يوآف غلانت لم تصل إلى نتيجة واضحة ومرضية لواشنطن، ما استدعى إقرار إرسال وفد من جنرالات أميركيين إلى تل أبيب للبحث مع قيادة الجيش في عملية رفح.
يأتي هذا في وقت أعلن أمنيون وعسكريون أن الجيش الإسرائيلي بدأ ينتشر في غزة وينفذ نشاطات استعداداً لتنفيذ العملية، وسط تضاؤل احتمال التوصل إلى صفقة أسرى نتيجة تعنت طرفي النزاع.
وأكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، في مقابلة مع قناة “كان الإخبارية”، أن الأمر المركزي في الحوار سيكون مصير السكان المدنيين قائلاً “لا نريد أن ترتكب إسرائيل الأخطاء ذاتها التي ارتكبناها في السنوات الـ 25 الماضية، فعملية عسكرية كهذه ستكون كارثية على الفلسطينيين والإسرائيليين أيضاً، لذلك، نريد أن نبحث مع الوفد الإسرائيلي القادم إلى واشنطن بدائل ممكنة بدل الاجتياح من شأنها القضاء على حماس”.
إعادة التنظيم في الشمال
من جهته، اعتبر المسؤول السابق في “الموساد” ميشكا بن ديفيد أن ما يمنع عملية عسكرية في رفح، اليوم، هو التجمع الكبير للنازحين الفلسطينيين في المدينة و”محور فيلادلفيا”، وعليه، فإن رفض إسرائيل مطالب “حماس” بعودة النازحين من الجنوب إلى الشمال هو خطأ كبير “تجمع أولئك اللاجئون في منطقة رفح، ومحور فيلادلفيا، هو الذي يمنع عملية عسكرية إسرائيلية هناك. وبالفعل، العكس هو الصحيح، على إسرائيل أن تستجيب في إطار وقف النار حتى نهاية شهر رمضان لمطلب حماس بالسماح بعودة اللاجئين شمالاً، فبهذا الشكل، يقلّ، بشكل كبير، تجمع السكان في جنوب القطاع ويتمكّن الجيش من العمل هناك، وكربح إضافي، ستنزع من حماس الحجة بشأن إعادة السكان إلى الشمال. الأسبوعان اللذان سيكونان تحت تصرف الجيش الإسرائيلي سيستغلهما لإعداد خطط مرتبة لاحتلال معسكرات الوسط، رفح ومحور فيلادلفيا، لإنعاش القوات ولإعادة التنظيم في الشمال أيضاً. كما سيتوقف التدهور في علاقات إسرائيل والغرب، وأساساً مع الولايات المتحدة”.
ملف رفح
وما زال ملف رفح يشكل خلافات وانقسامات داخل إسرائيل تفاقمت مع عدم التقدم في مفاوضات صفقة الأسرى، واعتبرت جهات أمنية أنه كلما مرّ الوقت وبدت التصريحات الإسرائيلية عن عملية واجبة في رفح لا تتطابق والواقع، “لم يعد ممكناً تنفيذ الخطط الإسرائيلية وتتضاءل تدريجاً الاحتمالات لعملية ذات مغزى في رفح، على رغم أن نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت يصران على تنفيذها لتصفية ما تبقى من كتائب لحماس هناك”.
وأشار تقرير إسرائيلي إلى أن الأمر تجاه عملية رفح يرتبط بشكل مباشر في تراجع الدعم الأميركي لإسرائيل، من جهة، وقناعة قادة “حماس” أن الضغط الدولي سيهزم إسرائيل قبل أن تنطلق بعملية رفح، من جهة أخرى.
ونُقل عن مسؤول عسكري قوله “الرسالة للولايات المتحدة وللعالم مهمة من ناحيتنا، فالمرحلة الثالثة ليست نهاية الحرب، ولن يكون ممكناً هزيمة حماس من الجو، هذه أفكار 2006، نحن نعمل، في هذه اللحظة، في خان يونس والفرقة التي ستنهي العمل هناك ستتجه بعد ذلك إلى رفح”، وأكد المسؤول نفسه أنه “لن يكون ممكناً إخلاء الناس من رفح والسماح بالعملية العسكرية هناك قبل أن ينهي الجيش مهمته في خان يونس، على رغم الضغط الدولي نحن نقوم بالعمل من دون ساعة توقف”.
الحرب
وفي ظل التطورات التي شهدتها العلاقة بين واشنطن وتل أبيب في الأسبوع الأخير، من جهة، ومفاوضات صفقة الأسرى وعراقيل التوصل إلى اتفاقات، من جهة أخرى، ارتفعت الأصوات الداخلية في إسرائيل التي تحمل بنيامين نتنياهو مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في موازاة الدعوة إلى إجراء انتخابات قريبة، وكانت الضربة الأكبر لنتنياهو من داخل حزبه “الليكود”، إذ أعلن أكثر من عضو كنيست ووزير إلى جانب مسؤولين أمنيين وعسكريين سابقين بأن سير الحرب في غزة معاكس تماماً لما يكرره يومياً الانتصار المطلق، “وجميع المؤشرات تؤكد أننا لا نفعل ما ينبغي فعله فعلاً في غزة، ونتنياهو بات يغرق في وحل غزة ويواصل المماطلة في إنهاء الحرب”.
وقدم النائب من حزب “الليكود” عميت هليفي وثيقة يُظهر فيها موقفه من سياسة نتنياهو المستمرة في ارتكاب المزيد من الأخطاء بكل ما يتعلق في الحرب مع غزة، وشملت الوثيقة مقارنة بين إنجازات “حماس” والجيش الإسرائيلي، وبحسبه، فإن “حماس” نجحت، خلال ستة أشهر من الحرب، بتحقيق 10 إنجازات مقابل إنجاز استراتيجي واحد حققته إسرائيل.
إنجازات
وأبرز الإنجازات الـ 10 للحركة:
– بداية الحرب بحد ذاتها، أي السابع من أكتوبر حيث نجحت الحركة في تنفيذ هجوم “مفاجئ وناجح عسكرياً” ضد الجيش الإسرائيلي.
– عودة “الدولة الفلسطينية” كمطلب إلى الحلبة الدولية، إذ أثيرت القضية الفلسطينية من جديد واحتل مطلب إقامة الدولة الفلسطينية أولوية في الحلبة الدولية الى حدّ أنه حظي بدعم مثقفين في الدول الغربية لـ “حماس” وتبريرهم هجومها.
– المس بوحدة المجتمع الإسرائيلي من خلال استخدام الرهائن من أجل تغيير الأولويات من غضب وانتقام بـ”حماس” إلى مطالبة بالانسحاب من غزة بأي ثمن.
– تنشيط جبهات أخرى محيطة بإسرائيل وتشكيلها خطراً حقيقياً على أمنها وأمن سكانها.
– إجلاء ما لا يقل عن 180 ألف إسرائيلي من بلداتهم في غلاف غزة وبلدات الشمال، خصوصاً القريبة من الحدود اللبنانية التي بدت كمدن أشباح خالية من سكانها.
– عزل إسرائيل سياسياً في العالم وإثارة موجة عداء للسامية في أنحاء العالم.
– حصار بحري فعلي على إسرائيل والمس باقتصادها والحركة السياحية.
وأمام هذه الإنجازات، اعتبر هليفي أن إسرائيل حققت إنجازاً استراتيجياً واحداً في الحرب وهو “الالتزام والإخلاص وروح التطوع لدى مئات آلاف الجنود وأفراد عائلاتهم”، وهو إنجاز لن يحقق النصر الحتمي الذي يدعيه أو يصبو إليه نتنياهو.
أضعف عدو
من جهته، وصف أوري مسغاف، أحد قادة مجموعة “الأعلام السوداء” التي تصدرت الاحتجاجات ضد نتنياهو بعد خطة “الإصلاح القضائي”، إسرائيل بعد ستة أشهر من حرب “طوفان الأقصى” بأنها “مضروبة، خائفة، معزولة، وبعد قليل مفلسة، غارقة في الشجار مع أميركا ومع أفضل أصدقائها، ليس لها أمل وحلم وأفق”، وفيما اعتبر حرب “طوفان الأقصى” الأكثر فشلاً في تاريخ إسرائيل وصف نتنياهو بـ”المجرم الأكبر في تاريخ الشعب اليهودي”.
وأضاف مسغاف أن الإسرائيليين يعيشون اليوم في “فيلم أو في صدمة المعركة ولم يستوعبوا بعد الواقع، وهذا أمر محزن وفظيع، بالأساس مدهش إزاء حقيقة أنه، من ناحية عسكرية، وقف أمام إسرائيل العدو الأضعف في تاريخ حروبها، ليست لديه فرق عسكرية وطائرات ودبابات وناقلات جند وغواصات”. واعتبر الصواريخ التي أطلقت، هذا الأسبوع، على جنوب إسرائيل من غزة، مؤشراً إلى أن “حماس” لم تتدمر، وإن تعرضت لضربة قاسية “كان يجب أن تكون هذه هي الحرب المبررة والأخلاقية في تاريخ إسرائيل منذ عام 1948. وبدلاً من ذلك، بعد نصف سنة، تم دفع إسرائيل إلى الموقف الدولي الأصعب في تاريخها القصير. والمتهم بذلك هو نتنياهو الفاشل والمريض الذي ليست لديه شجاعة أو مواهب، وكذلك أيضاً هم شركاؤه ومساعدوه”.