على وقع توتر كبير في الشارع الأردني أخذت التظاهرات اليومية في منطقة الرابية في العاصمة عمان منحى خطراً بعدما تخللتها مناوشات بين رجال الأمن والمتظاهرين واعتقالات طاولت صفوف المئات من الناشطين.
وعلى رغم اتخاذ السلطات الأردنية إجراءات أمنية احترازية، واصل المتظاهرون الأردنيون لليوم السابع التوافد نحو مبنى السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان تلبية لدعوات لحصارها.
ومع استمرار التظاهرات انقسم الأردنيون بين منتقد للخشونة التي تبديها الأجهزة الأمنية في التعامل مع المتظاهرين، وآخرين يدعون لضبط الشارع ومنع حدوث فتنة بين المواطنين، بدأت تطل برأسها عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وقالت مصادر رسمية لـ”اندبندنت عربية” إن قراراً مرتقباً بمنع التجمعات والتظاهرات قد تصدره الحكومة في أي لحظة، للحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي، فيما قال ناشطون سياسيون إنه تم إبلاغهم من قبل الحكومة بالتوقف عن تحريك أي تظاهرات ضد أي سفارة أجنبية.
ضبط النفس
من جهتها قالت مديرية الأمن العام الأردني إن متظاهرين حاولوا الاعتداء على رجال الأمن والإساءة لهم، على رغم أقصى درجات ضبط النفس والاحترافية التي أبدوها خلال تأمينهم الوقفات والتظاهرات التي خرجت منذ أشهر من دون منعها.
وأوضحت مديرية الأمن أن الليالي الماضية شهدت توجيه الشتائم للعناصر الأمنية وإغلاق الطرق وحرق الممتلكات العامة والخاصة، الأمر الذي اضطرهم إلى إلقاء اعتقال بعض المتظاهرين.
وأكدت مديرية الأمن العام مواصلة عملها في إطار احترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون وإنفاذه على كل من يحاول التجاوز أو الاعتداء أو التحريض، خصوصاً مع ازدياد التجاوزات ووصولها إلى حد غير مسبوق وإصرار البعض على تعمد الاعتداء والإساءة، بموازاة تمكين المواطنين من التعبير عن آرائهم وفقاً للقوانين.
وقال الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام عامر السرطاوي إنه اعتقل عدد من مثيري الشغب في منطقة البقعة إثر قيامهم بأعمال تخريب.
ويعاقب القضاء الأردني من يتهم بإثارة الشغب والإضرار بالممتلكات العامة والخاصة بالسجن لمدة تراوح ما بين أسبوع وحتى ثلاث سنوات.
تشكيك بالحراك الشعبي
في المقابل يقول نشطاء وأحزاب وهيئات نقابية وسياسية إن ثمة شكوكاً إعلامية رسمية بالحراك الشعبي ومحاولة لـ”شيطنة” التظاهرات التي تستهدف السفارة الإسرائيلية لدى عمان.
ووصفت لجنة الحريات في حزب “جبهة العمل الإسلامي”، أكبر الأحزاب الأردنية، الإجراءات التي قامت بها السلطات الأردنية بأنها استحضار للأحكام العرفية، واعتبرت قيام الأجهزة الأمنية باعتقال الناشطين مشهداً خارجاً عن المألوف ومخالفاً لقيم المجتمع الأردني.
ورأت أحزاب أردنية في الاعتقالات مخالفة واضحة للدستور الذي كفل حق التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي، فيما وصف الأمين العام لحزب جبهة العمل مراد العضايلة ما جرى بالتراجع عن الحريات العامة.
بينما تعالت أصوات إعلامية بضرورة ضبط المشهد الاحتجاجي وعقلنة التظاهرات قبل أن تصبح أداة للفتنة، بعد تداول عديد من المقاطع المصورة التي تظهر محتجين يقومون بقطع الطرق وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة داخل مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين، والذي يعد ثاني أكبر مخيم فلسطيني في البلاد من حيث عدد قاطنيه.
وفي شأن متصل، يقول مراقبون إنهم بدأوا يلمسون تغيراً في خطاب الدولة الأردنية حيال الحرب في غزة، وإن الخطاب الرسمي الذي يمثله وزير الخارجية لا يتفق مع ما يحدث على الأرض.
وتساءل الناشط السياسي والنقابي ميسرة ملص عن التعاطي الرسمي مع مشاركين في الاحتجاجات التي تندد بالحرب على غزة في ظل الموقف المتقدم الذي يعبر عنه وزير الخارجية أيمن الصفدي في خطاباته المختلفة.
ويؤكد ملص أن معظم ما يردده المحتجون من هتافات لا تتجاوز ما يقوله المسؤولون الأردنيون في معرض إدانتهم لما يحدث في غزة.
اختطاف الشارع
يقول الوزير السابق سميح المعايطة إن بعض التيارات السياسية تحاول إرسال رسالة من خلال هذه التظاهرات مفادها أنها تسير الشارع وتملكه.
ويضيف المعايطة، “الأردن متضامن مع فلسطين منذ زمن طويل، لكننا نريد أن تبقى البوصلة واضحة، وألا يتم استغلالها للإساءة للدولة الأردنية، وتوظيف شعارات سياسية تذكرنا بالربيع العربي”.
وطالب المعايطة الحكومة الأردنية بأن “تفكر جدياً بسحب جنسية كل مسؤول في فصيل فلسطيني وعائلته يقوم بالتحريض على أمن الأردن ويعمل على إشعال الساحة الأردنية”، في إشارة واضحة إلى بعض قادة حركة “حماس” الذين يحملون الجنسية الأردنية.
خطابات تحريضية
وكان وزير الاتصال الحكومي والناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين قال في تصريحات صحافية إن محاولات تحريض الشارع الأردني يائسة موجهاً رسالة لقادة حركة “حماس” أن يوفروا نصائحهم ودعواتهم لضرورة حفظ السلم ودعوة الصمود في قطاع غزة. وأضاف، “الأردن بلد له سيادة وله مرجعياته الدستورية ولا ننظر إلى بعض المراهقات السياسية، ولا إلى من يريد أن يحصد الشعبية على أنقاض الدمار الذي حل في غزة نتيجة هذه الحرب الكارثية”. وأشار إلى أن “هناك أيديولوجيات بائسة وشعبويات تريد تأليب الرأي العام باستغلال المشاعر والعواطف”، في إشارة اعتبرها مراقبون أنها تخص جماعة “الإخوان المسلمين”.
وفي شأن متصل أكد مبيضين أن السلام هو خيار الأردن الاستراتيجي، وأن معاهدة السلام هي التي تمكنه من ممارسة دوره في تخفيف الضغوط على الفلسطينيين. وأضاف أن ثمة تيارات سياسية لا يعجبها الموقف الأردني، أو تريد إجبار الأردن على اتخاذ خيارات أخرى.
وربط مراقبون هذه التصريحات بالخطاب الذي ألقاه رئيس حركة “حماس” في الخارج خالد مشعل الذي طالب الأردنيين بالتظاهر والانخراط في المعركة، وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها قادة في حركة “حماس” الأردنيين إلى التظاهر، فقد سبق دعوة العشائر لحمل السلاح، وهو ما اعتبرته الحكومة الأردنية دعوة إلى الفوضى.
ولاحظت مصادر في الحكومة الأردنية خلال حديثها إلى “اندبندنت عربية” أن خطاب مشعل الأخير أعقب زيارة وفد لـ”حماس” إلى طهران، وبعيد إصدار مقطع صوتي لقائد كتاب “عز الدين القسام” محمد الضيف، يدعو فيه إلى الزحف نحو الأراضي الفلسطينية.
بدوره يشير النائب عمر عياصرة إلى حساسية بعض الهتافات والشعارات التي يرددها متظاهرون وتسهم في خلق حالة توتر.
ويضيف عياصرة، “الأردن لديه مؤسسية وخبرة عالية في التعامل مع التظاهرات، وعلى الدولة ألا تتعامل معها بخشونة حتى لا يتم تشويه الموقف الرسمي”.
أما المحلل السياسي حسين رواشدة فيرى أن بوصلة التظاهر انحرفت، وأن من واجب الدولة الأردنية التدخل بعد أن تحولت التظاهرات إلى منصات لتجريح الدولة وتخوينها.
ويرفض رواشدة ما سماه محاولة تحميل الأردن أخطاء من ركبوا موجة “النضال” وتقمصوا جوع الغزيين ومعاناتهم.