تواجه إسرائيل ضغوطاً متزايدة لتمديد فترة الهدنة المقررة لأربعة أيام فقط حتى الآن في إطار حربها ضد “حماس”، غير أن مسؤولين عسكريين يخشون أن تؤدي هدنة أطول إلى إضعاف جهود تل أبيب للقضاء على الحركة الفلسطينية.
في المجموع، سلمت حركة “حماس” الجمعة والسبت إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 26 محتجزة إسرائيلية يحمل بعضهن جنسية أخرى، بينما أطلقت تل أبيب سراح 78 أسيراً فلسطينياً. وكل المفرج عنهم هم من النساء والأطفال.
وعلى مدى اليومين الماضيين أطلقت حركة “حماس” أيضاً 15 من الأجانب غير الإسرائيليين، في إجراء لم يكن مدرجاً في الاتفاق.
وينص الاتفاق الذي تم بوساطة قطرية ومشاركة الولايات المتحدة ومصر، على الإفراج عن 50 محتجزاً لدى “حماس” في مقابل إطلاق سراح 150 أسيراً فلسطينياً على مدى الأيام الأربعة للهدنة القابلة للتمديد.
إعادة جمع الصفوف
من شأن هذا الأمر أن يزيد عدد المحتجزين الذين تعيدهم حركة “حماس”، وهناك ضغوط داخلية كبيرة في إسرائيل للقيام بذلك، لكنه يمنح الحركة هامشاً أكبر لإعادة جمع صفوفها والتعافي وإعادة التسلح والعودة إلى القتال، وفق محللين.
ويزيد هذا الاتفاق أيضاً الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل من جانب المجتمع الدولي الذي سيتراجع تأييده لمعاودة قصف غزة، مع ما ينجم عن ذلك من أزمة إنسانية.
ويقول الأستاذ في دراسات الدفاع في جامعة كينغز كوليدج لندن أندرياس كريغ، إن “الوقت يعمل ضد إسرائيل كما هي الحال دائماً وضد الجيش الإسرائيلي”.
ويشير في حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أنه كلما طال أمد الهدنة نفد صبر المجتمع الدولي مع استمرار الحرب.
غير أن الجيش الإسرائيلي مصمم على تحقيق هدفه بـ”القضاء” على حركة “حماس”.
وفي زيارة للقوات الإسرائيلية في قطاع غزة السبت، تمسك وزير الدفاع يوآف غالانت بأن الجدول الزمني للهدنة “قصير”، موضحاً “لن تستغرق أسابيع، ستستغرق أياماً إلى حد ما”.
وأضاف محاطاً بجنود مدججين بالأسلحة، “أي مفاوضات أخرى ستجري تحت النيران”.
اندلعت الحرب بعد الهجوم المباغت لحركة “حماس” الذي أودى بنحو 1200 إسرائيلي، قضى معظمهم في اليوم الأول للهجوم، وفق السلطات الإسرائيلية.
ومنذ ذلك الحين، تشن إسرائيل قصفاً مكثفاً على القطاع يترافق منذ 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مع عمليات برية واسعة داخل القطاع. وتسبب القصف في مقتل زهاء 15 ألف شخص بينهم أكثر من ستة آلاف طفل.
ضغوط في الداخل الإسرائيلي
ويقول الباحث في مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب أريك رودنيتزكي “الضغط الحقيقي (لتمديد الهدنة) يأتي من داخل إسرائيل، من عائلات الرهائن”.
مساء السبت، سارت في شوارع تل أبيب تظاهرة حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف للمطالبة بالإفراج عن المحتجزين، هتف خلالها المحتجون الذين حملوا صور المحتجزين، “حرروهم الآن”. وكتبت على إحدى اللافتات عبارة “أخرجوهم من الجحيم”.
ويقول مسؤول عسكري إسرائيلي، إن تل أبيب ملتزمة الإفراج عن أكبر عدد من المحتجزين، لكنه أعرب عن قلقه من أنه كلما طاولت الهدنة حصلت حماس على وقت أكبر “لإعادة بناء قدراتها ومهاجمة إسرائيل مجدداً”.
ويضيف في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية طالباً عدم الكشف عن هويته “إنها معضلة رهيبة”.
كانت قطر الوسيط الرئيس في مفاوضات وقف القتال، وقال المتحدث باسم وزارة خارجيتها ماجد الأنصاري، إن هناك حاجة إلى “الحفاظ على الزخم” من أجل وقف دائم لإطلاق النار.
وأضاف “لا يمكن تحقيق ذلك إلا عندما تتوافر الإرادة السياسية ليس فقط من جانب الإسرائيليين والفلسطينيين، بل أيضاً من جانب الشركاء الآخرين الذين يعملون معنا”.
الجمعة، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن وجود “فرص حقيقية” لتمديد هدنة الأيام الأربعة في غزة، قائلاً إن الوقت حان للعمل على “إحياء” حل الدولتين لإرساء سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
صفقات جديدة
ويعتبر الأستاذ في دراسات الدفاع في جامعة كينغز كوليدج لندن أندرياس كريغ، أن واشنطن غير مستعدة لعملية مكثفة “تستمر أشهراً بلا انقطاع”، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل.
ويوضح “لذلك تحتاج إدارة بايدن إلى إيجاد مخرج أيضاً”، مضيفاً “لا حل عسكرياً لهذا النزاع، لا يمكن الانتصار فيه”.
من جهته قال المسؤول في “حماس” طاهر النونو، إن الحركة الإسلامية “جاهزة للبحث بشكل جدي للتوصل إلى صفقات جديدة”.
وجاء الإفراج عن الرهائن أمس السبت بعد تأخير لساعات قالت “حماس” إن سببه عدم التزام إسرائيل بنود الاتفاق، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دورون سبيلمان نفى ذلك، مشيراً إلى أن الحركة تعتمد “تكتيك المماطلة” في إطار “الحرب النفسية”.
ويقول المسؤول السابق في الاستخبارات الإسرائيلية آفي ميلاميد، إن “حماس” “ستماطل مع الرهائن لمحاولة استنفاد هذه الورقة لأطول وقت ممكن وبأعلى ثمن قد يشكله ذلك لإسرائيل”.
ويعتبر أن “حماس” كانت تأمل أن يتبدد الدعم داخل إسرائيل للتوغل في قطاع غزة، وأن “تخلق، في نهاية المطاف، الضغوط الدولية والداخلية على الحكومة الإسرائيلية ظروفاً يمكن فيها لحماس أن تستمر في الوجود وأن تحكم غزة حتى بعد انتهاء هذه الحرب”.
وتدلي الباحثة المستقلة في شؤون الشرق الأوسط إيفا كولوريوتيس بالرأي نفسه، موضحة “بالنسبة إلى حماس، أي سيناريو لهذه الحرب لا يؤدي إلى انتهاء وجودها في قطاع غزة سيعد نصراً …، بغض النظر عن خسائرها البشرية والمادية وحجم الدمار في غزة وحجم الخسائر في صفوف المدنيين”.