يسود الهلع والزعر وسط أهالي مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة إلى جانب النازحين الفارين من حرب الخرطوم منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي بين الجيش وقوات “الدعم السريع”.
الهجوم الذي شنته قوات “الدعم السريع” على قرى شرقي ولاية الجزيرة التي تقع وسط السودان وصفه خبراء بأنه غير ممنهج، وأن اتساع رقعة الحرب ونقلها إلى ولاية الجزيرة يهدد اقتصاد السودان، ويضيف إليه تدهوراً جديداً، فضلاً عن أن الولاية تتحكم بأكبر مشروع اقتصادي عمره ما يقارب 100 عام، إضافة إلى أهميتها الاستراتيجية، مما جعلها تتميز بكثافة سكانية عالية.
تبادل إطلاق النار والانفجارات وتحليق الطائرات الحربية وتصاعد أعمدة الدخان، فضلاً عن إغلاق الأسواق والمتاجر وتوقف مظاهر الحياة في مدينة ود مدني والقرى الشرقية، أدى إلى فرار المواطنين للبحث عن مكان آمن، لا سيما أن ولاية الجزيرة شكلت منذ اندلاع حرب الخرطوم ملاذاً لآلاف النازحين الذين تضرروا بصورة مباشرة من الحرب.
وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن ولاية الجزيرة استقبلت نصف مليون نازح يتوزعون على 200 مركز بمحليات الولاية المختلفة، فيما أعرب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث عن قلقة البالغ بسبب استمرار الحرب ونقلها إلى الولاية التي تعد مركزاً إنسانياً للنازحين، وأن مايقارب نحو 15 ألف شخص نزحوا من محلية ود مدني الكبرى نحو الأحياء الطرفية غرب المدينة إلى جانب النزوح نحو ولايتي سنار والقضارف.
وباتساع رقعة الحرب واستمرارها ربما تتمدد لولايات أخرى، وبذلك تتفاقم أزمة المواطنين الإنسانية من النزوح الذي أصبح لهم بمثابة المأوى إلى جانب التشرد والفقر والجوع.
النزوح يتجدد
المواطنة النازحة بلقيس بابكر التي تقيم بمعسكر مدرسة الشرقية بولاية الجزيرة برفقة أبنائها الثلاثة وشقيقتها ووالديها الطاعنين في السن قالت، “استيقظنا على صوت الرصاص والطائرات والانفجارات فساد الهلع والزعر في المعسكر، لا سيما أننا نعلم ماهية هذه الأصوات، فلم نكن في حاجة إلى من يفسر لنا مايدور من أحداث، فقد تيقنا تماماً أن الحرب انتقلت من الخرطوم إلى مدينة ود مدني”.
وتابعت بابكر، “وسط قلق وتوتر قررنا النزوح مجدداً والبحث عن مكان آمن، فضلاً عن أن النزوح أصبح المأوى للمواطنين الذين شردتهم حرب الخرطوم من منازلهم، وعلى الفور حزمنا أمتعتنا وأصبحنا في حالة نزوح جديد”.
وأضافت بلقيس، “النازحون بمعسكر الإيواء بولاية الجزيرة كانوا يحاولون جاهدين التأقلم مع الحياة القاسية في ظل أوضاع اقتصادية هشة وخدمات متردية وغياب الدعم الحكومي إلا ما يصل من المنظمات الدولية والجهود الشعبية، في وقت أصبح جميع النازحين بمختلف فئاتهم العمرية يمارسون أنشطة للحصول على المال للإيفاء بمتطلبات الحياة اليومية”.
وأوضحت بابكر، “رحلة النزوح مجدداً تحتاج إلى أموال كبيرة، بخاصة أن قيمة التذكرة إلى ولاية سنار التي قررنا النزوح إليها بنحو 50 ألف جنيه سوداني (100 دولار)، مما يتطلب توفير 300 ألف جنيه سوداني (600 دولار) لجميع أفراد أسرتي، وهذه تعد كلفة عالية مقابل ما كنا نقوم به من أعمال هامشية تسد الرمق فقط”.
وأشارت إلى أن “معسكرات الإيواء بها مرضى مصابون بأمراض مزمنة يصعب نزوحهم من مكان لآخر، إضافة إلى أنهم سيفقدون المتابعة الصحية التي توفرت بمدينة ود مدني بعد نقل الخدمات الطبية التي يأتي كوادرها للمعسكر وتفقد أوضاع النازحين من خلال يوماً صحياً باعتباره مبادرة للعاجزين عن النفقات العلاجية”.
وتمنت بلقيس انتهاء الحرب، وأن يتوقف تمددها الذي بات من المؤكد أن تشمل كل ربوع الوطن، مما سيؤدي إلى تدميره.
فرض السلام
عضو نقابة أطباء السودان نازك عبدالله أوضحت أن “النقابة أصدرت بياناً حذرت فيه من التوسع في رقعة القتال ونقل الحرب للمناطق الآمنة خارج الصراع العسكري، والتي لجأ إليها المواطنون فراراً من حرب الخرطوم”.
ولفتت عبدالله إلى أن “ولاية الجزيرة انتقلت إليها الخدمات الطبية، في وقت نقل فيها عدد كبير من الكوادر الطبية والصحية أعمالهم مقررين الوقوف جنباً إلى جنب مع المواطنين والعمل على تخفيف معاناتهم وأوجاعهم بعد خروج مستشفيات العاصمة الخرطوم من الخدمة، إلى جانب نقل مرافق مهمة لا يمكن أن تتوقف بسبب الحرب، فضلاً عن أنها تقدم خدمات لاستمرار الحياة”.
وأردفت الطبيبة، “البيان يدعو المواطنين في المناطق الآمنة والسودانيين الذين يوجدون خارج الحدود التي تسمح قوانينها بالتظاهر والخروج من أجل توضيح رفضهم للحرب وفرض إرادة السلام ومطالب الشعب على طرفي النزاع والمجتمع الدولي”.
توسع غير ممنهج
من جانبه، اعتبر المتخصص العسكري والاستراتيجي أمين إسماعيل مجذوب أن التوسع في الحرب ونقلها إلى ولاية الجزيرة يمثل قراراً عشوائياً وغير ممنهجاً، ويصب في أن قوات “الدعم السريع” تحاول فتح جبهات قتالية لسحب القوات المسلحة إليها لتخفيف الضغط على قواتها داخل الخرطوم، لا سيما بعد أن بدأ الجيش مرحلة الهجوم والمطاردة وعملية التنظيف من داخل العاصمة ومدنها الثلاث.
وأضاف مجذوب أن خروج قوات “الدعم السريع” هدفه البحث عن إمدادات، لا سيما بعد قطع خطوط الإمداد والحركة شرقاً وغرباً والعبور من الجهة الغربية للبلاد، إلى جانب الحصول على دعم إعلامي وموقف تفاوضي إذا عادت المفاوضات مرة أخرى، بخاصة أن هناك أحاديث عن انعقاد قمة أخرى لـ”الإيغاد”.
وأوضح المتخصص العسكري أن هجوم “الدعم السريع” على ولاية الجزيرة يأتي نسبة إلى موقعها الاستراتيجي، إذ تعد جغرافياً قريبة من الخرطوم بمسافة تبعد نحو 186 كيلومتراً.