واصلت قوات “الدعم السريع” تحركاتها الهجومية والاستطلاعية في محاولة للتمدد جغرافياً بولايات السودان المختلفة، حيث قصفت مدفعيتها، أمس الثلاثاء، مدينة القطينة بولاية النيل الأبيض، فضلاً عن استطلاعها الطريق المؤدي إلى مدينة سنار التي استقبلت أعداداً كبيرة من النازحين الفارين من ود مدني، وهو ما أحدث جدلاً كبيراً وسط السودانيين نظراً إلى كون المدينة تضم قوة كبيرة لا يستهان بها من الجيش السوداني.
وفيما حثت قوات “الدعم السريع” نازحي ود مدني الذين تعرضوا لأشد أنواع المعاناة، على العودة إلى منازلهم تحت حمايتها، وأن يشكل سكان المدينة لجاناً إدارية لتصريف المهام المختلفة لخدمة المواطن، سارع الجيش السوداني، في أعقاب تداول مواقع التواصل الاجتماعي اتهامات لقيادته في المدينة بالخيانة والتواطؤ، بفتح تحقيق حول أسباب وملابسات انسحاب الفرقة الأولى من مواقعها لدى توغل “الدعم السريع” إلى داخل المدينة، على أن ترفع نتائج التحقيق فور الانتهاء منها إلى جهات الاختصاص ومن ثم نقل الحقائق للرأي العام.
وكلف الجيش، قائد الفرقة الرابعة بالنيل الأزرق اللواء ربيع عبدالله، بمهام قيادة الفرقة الأولى بمدني. بينما عينت “الدعم السريع” أبو عاقلة محمد أحمد “كيكل” قائداً للفرقة الأولى مشاة مدني بولاية الجزيرة ورئيساً للجنة الأمن بالولاية.
حق شرعي
في الأثناء، برر قائد قوات “الدعم السريع”، محمد حمدان “حميدتي” هجوم قواته على ود مدني بقطع الطريق أمام تحركات استخباراتية حاولت الحشد لاستهداف قواته في الخرطوم.
وأشار إلى أن “الدعم السريع” قررت التحرك صوب مقر الفرقة الأولى مشاة بناء على معلومات استخباراتية دقيقة، أكدت حشد قيادة القوات المسلحة بالتنسيق مع قادة النظام القديم قوة من عشرات الآلاف من المقاتلين لمهاجمة قواته في الخرطوم.
وواصل حميدتي “عندما بات ذلك الهجوم وفقاً لمعلوماتنا المؤكدة وشيكاً، مارسنا حقنا المشروع في القيام بهجمات استباقية، نجحنا بها في توسيع رقعة الأراضي المحررة من سيطرة الفلول وأنصار النظام القديم”.
واعتبر دخول قواته لمدينة مدني، انتصاراً على أنصار نظام البشير في المدينة وضربة قوية وموجعة لهم، ووعد “حميدتي” المدنيين في ولاية الجزيرة بتوفير الأمن والسلام.
وأوضح أن قوات “الدعم السريع” على استعداد كامل للقيام بكل ما هو ضروري لتمكين القوى الديمقراطية الثورية الحقيقية والتعاون معها لتشكيل حكومة انتقالية تأسيسية من القوى المدنية، لبناء دولة جديدة في السودان على مبادئ تأسيسية، وأهمها بناء جيش قومي ومهني جديد لا يتدخل في السياسة، ويخضع كلياً للحكومة المدنية.
وأكد حميدتي أن “الدعم السريع” لن تكون هي الجيش البديل لجيش السودان، ولا تنوي أبداً أن تكون هي السلطة البديلة لحكومة الأمر الواقع، التي انهارت كلياً في الـ15 من أبريل”.
وطالب حميدتي المجتمع الإقليمي والدولي بمساعدة السودان، “في استعادة مكانته الدولية، واسترداد أمواله المنهوبة الموجودة في الخارج، وبناء نظام سياسي جديد، يمثل كل السودانيين”.
وقف القتال
إلى ذلك، دعا رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، شعب بلاده وقواه الحية، إلى الالتفاف حول جهود القوى المدنية لإيقاف الحرب واستعادة مسار الانتقال الديمقراطي، مشيراً إلى أن “الذكرى الخامسة لثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة تمثل حلقة مهمة في كفاح شعبنا من أجل الحرية والسلام والعدالة”.
وقال حمدوك في تغريدة له “التحية لشعبنا وهو يواجه بصمود بطولي ويلات الحرب اللعينة من قتل وتشريد وتجويع وتدمير، بل وتهديد بقاء الوطن”. ودعا الطرفين المتحاربين إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط للقتال والوفاء بمسؤوليتهما وفق القانون الإنساني الدولي في حماية المدنيين وتسهيل وصول العون الإنساني من دون عوائق.
من جهته حث السفير الأميركي بالسودان جون غودفري، القوات المسلحة السودانية وقوات “الدعم السريع”، إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، ووقف القتال، وإيجاد مخرج من الصراع من طريق التفاوض، واستعادة الحكم المدني.
وقال غودفري في تغريدة على موقع “إكس”، “في لقاءاتي العديدة مع المدنيين السودانيين، كان من الواضح أن الصراع لم يقلل من تطلعاتهم إلى استعادة التحول الديمقراطي في السودان في ظل حكومة مدنية”.
هجمة استباقية
وحول الهدف من توسع رقعة الحرب بالاستيلاء على مدينة ود مدني، قال عضو المكتب الاستشاري لقائد “الدعم السريع” إبراهيم مخير لـ”اندبندنت عربية”، “أفشلنا مخططاً لمهاجمة قواتنا المنتشرة في العاصمة بتنفيذ هجمة استباقية دفاعية تجاه مدينة ود مدني بعد إعلان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال زيارته لها، أخيراً، بأنها ستكون نواة لعمل عدائي ضد قواتنا في الخرطوم، وبالفعل نجحنا في توسيع رقعة الأراضي المحررة من سيطرة أنصار النظام القديم كما استطعنا أن نحد من خسائر غير معروفة من المدنيين والعسكريين كان يمكن أن تحدث إذا تحقق للجيش ذلك الهجوم الموعود”.
وتابع “لقد صدرت أوامر وتعليمات مباشرة لكل قواتنا في ود مدني وغيرها بعدم الاعتداء على أي مواطن أو التعدي على الممتلكات العامة أو الخاصة مع العلم أن أعوان النظام السابق كانوا قد فتحوا السجون لمعتادي الجريمة كما حدث في الخرطوم وبدأوا عمليات نهب وسرقات واسعة، إضافة إلى أعمال قتل واغتصاب، وكل ذلك حدث قبل وصول قواتنا إلى عمق المدينة”.
وزاد مخير “قواتنا لا تطلب من المواطنين الخروج من منازلهم إلا في بعض الحالات خوفاً على حياتهم في المواقع التي قد تتعرض للقصف أو تحدث فيها اشتباكات خطرة على حياتهم، فالدعم السريع يملك خبرة أكبر في التعامل مع مناطق الحروب ومناهضة التعديات وينوي إعادة تنفيذ سياسات بعينها تهدف إلى عودة النازحين وتأمين المقيمين سريعاً بخاصة بعد نجاح تلك السياسات في الخرطوم ومدن محررة أخرى، فضلاً عن تكوين لجنة للطوارئ لولاية الجزيرة لتلقي البلاغات والشكاوى من قبل الأهالي”.
وبين أن “الدعم السريع يمتلك من الأسلحة والعتاد ما يكفي القيام بأهدافه التي يحددها فمصنع اليرموك، الذي يعد من أكبر مصانع الأسلحة والذخائر في أفريقيا سقط في قبضتنا منذ الأسابيع الأولى للحرب، كما أن الهزائم المتكررة للجيش وفرت لنا كثيراً مما نطلب”.
وأردف عضو المكتب الاستشاري لـ”الدعم السريع” “لقد كان لدينا أمل كبير بنجاح الإيغاد في التوصل إلى هدنة في الأقل ووافق قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو على الالتقاء به لصالح تخفيف المعاناة على السودانيين ووصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتأثرة بالنزاع، إلا أن النوايا تكشفت عندما رفضت وزارة الخارجية بيان الإيغاد وأصرت على الحرب ثم كان الخطاب العدائي للجيش السوداني الذي أدى إلى ما حدث”.
الوضع بالخرطوم
في الخرطوم، سمع شهود عيان، أمس، انفجارات قوية قرب سلاح الإشارة ببحري، ومنطقة جبرة قرب سلاح المدرعات جنوب الخرطوم، في وقت شهدت بعض مدن وأحياء العاصمة حالة من الهدوء والاستقرار باستثناء بعض الطلعات الجوية من قبل طيران الجيش الذي يقصف بعض ارتكازات قوات “الدعم السريع” ومنازل المدنيين.
وأشار الشهود إلى أن الحياة في العاصمة عادت بشكل شبه طبيعي مع استقرار في خدمة الإمداد المائي والكهربائي، فضلاً عن انتظام حركة المواصلات، كما باشر أصحاب المتاجر والمخابز نشاطاتهم بصورة معتادة، وبات المواطنون يتجولون بكل سهولة وطمأنينة داخل الأسواق لشراء أغراضهم اليومية، غير أن هناك ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار المواد التموينية والسلع الاستهلاكية الضرورية.
انهيار صحي
ودولياً، أبدى المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قلقه البالغ إزاء الوضع المتدهور بسرعة في السودان في الوقت الحالي، مؤكداً أن العالم يشهد واحدة من أكبر عمليات النزوح حيث يتنقل سبعة ملايين شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال.
ولفت إلى أن النظام الصحي على حافة الانهيار، في حين أن الحاجات تتزايد بشكل حاد، مع تفشي وباء الكوليرا في تسع ولايات من أصل 18 ولاية، وأن “القلق بات يساورهم بشكل خاص في شأن الوضع في ود مدني، وقد روعتهم التقارير التي تفيد بوقوع هجمات على مستشفى في نفس المنطقة تسببت في مقتل اثنين من العاملين في المجال الصحي، كما تم تعليق مركز عمليات منظمة الصحة العالمية موقتاً”.
وأعلن عن اتخاذ خطوات لضمان سلامة موظفي المنظمة واكتشاف طرق بديلة لمواصلة عمليات الطوارئ الصحية، منوهاً بتأثر قدرتهم على مساعدة الشعب السوداني مع تقلص المجال الإنساني وعدم وجود ضمانات للوصول الآمن.
كما عبَّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عن قلقها إزاء تفاقم أزمة النزوح القسري في السودان والدول المجاورة مع فرار مئات الآلاف من الأشخاص من القتال الأخير في ولاية الجزيرة وسط السودان.
وأشارت إلى أنه مع هذه الجولة الأخيرة من القتال، أفادت التقارير أن الذعر قد انتشر بين السكان المدنيين في ود مدني، وشوهد الناس يغادرون المدينة بالمركبات وعلى الأقدام، وبعضهم للمرة الثانية خلال بضعة أشهر فقط.
وأكدت المفوضية أنها تعمل على توصيل وتوزيع مواد الإغاثة الأساسية المطلوبة بشكل عاجل للنازحين الجدد من الجزيرة إلى ولايتي سنار والقضارف.
عملية سياسية
إلى ذلك، أعلن تحالف القوى المدنية لشرق السودان، عن مشاورات مع الحلفاء من مكونات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، في شأن التطورات الأخيرة ودخول قوات “الدعم السريع” إلى مدينة ود مدني.
وطالب المتحدث باسم التحالف صالح عمار، القوات المسلحة وقوات “الدعم السريع”، بمخاطبة المواطنين في مناطق سيطرتهم وخصوصاً ولايات الجزيرة ودارفور بأنها ستوفر لهم الأمن وكل الحقوق التي تضمن لهم العيش بكرامة والالتزام العملي بتطبيقه وذلك من أجل إيقاف موجات النزوح ووقف الانتهاكات على أسس إثنية.
وكشف عن التواصل مع المجتمعين الإقليمي والدولي لاتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية ومعاقبة كل الأطراف المتورطة في الانتهاكات وعرقلة وصول المساعدات.
وأشار إلى بدء عملية سياسية جديدة تستصحب معها تجربة منبر جدة، وتضع كل القضايا الأمنية والسياسية في حزمة واحدة تخاطب هواجس ومصالح كل الأطراف بمن فيهم أطراف الحرب والمدنيين وتبدأ بإعلان مبادئ يحدد إطار الحل.
وحض عمار أهالي شرق السودان إلى فتح بيوتهم وتسخير إمكاناتهم لاستقبال النازحين وتوفير حاجاتهم الإنسانية وهو ما عرف به أهل الشرق على مر تاريخهم.