تُعد عملية اغتيال القيادي في حركة “حماس”، صالح العاروري، الأولى ضمن خطة وضعها جهاز الشاباك الإسرائيلي لملاحقة واستهداف قادة حركة “حماس” الموجودين خارج غزة والضفة الغربية بذريعة أنهم جميعاً خططوا وساعدوا في الهجوم الذي نفذته “حماس” في بلدات الجنوب الإسرائيلي وغلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي.
وأوكل جهاز الشاباك (الأمن العام الإسرائيلي) وحدة خاصة أنشأها رئيس الجهاز، رونين بار، بعد أسبوعين من اندلاع حرب “طوفان الأقصى”، تنفيذ المهمة، ووضعت قائمة تشمل قادة “حماس” الموجودين في لبنان وقطر وتركيا ومختلف المناطق خارج الضفة وغزة. وصالح العاروري، الذي تعتبره إسرائيل المهندس المركزي والمخطط لهجوم السابع من أكتوبر والمحور المنسق بين “حماس” و”حزب الله” و”حماس” وإيران، هو الأول في هذه القائمة.
وجاء التخطيط لاغتيال العاروري، منذ تشكيل الوحدة الخاصة في الشاباك، حيث كثفت أجهزة الاستخبارات العسكرية والأجهزة الأمنية والموساد والشاباك، جهوداً حثيثة لإعادة تفعيل نشاط عملائهم في مختلف البلدان والمناطق بدءاً بغزة والضفة مروراً بلبنان وصولاً إلى مختلف دول العالم، وهو جانب لمَّح إليه أكثر من مسؤول أمني وسياسي إسرائيلي، بمن فيهم رئيس الشاباك ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، الذين هددوا بأن إسرائيل لن تترك أي مسؤول عن يوم السابع من أكتوبر إلا وستصل إليه و”سيدفع الثمن”.
وبحسب مصدر أمني مسؤول فإن القرار الذي اتخذته إسرائيل بهدم بيت العاروري، في الضفة، الأسبوع الماضي، كان مؤشراً إلى استهدافه ووضعه هدفاً للاغتيال.
إسرائيل الرسمية، وكعاتها بعد تنفيذ مثل هذه العمليات في الخارج، لا تسرع إلى الإعلان عن تحملها المسؤولية، وهكذا فعلت هذه المرة بعد اغتيال العاروري، على الرغم من أن تهديدات المسؤولين لاستهداف قادة “حماس” لم تتوقف منذ اندلاع حرب “طوفان الأقصى”.
لكن وبعد ثلاثة أشهر من الحرب من دون أن تظهر إسرائيل نصراً بارزاً لها من حرب غزة، تسرع البعض في الإعلان عن تنفيذ تل أبيب هذه العملية وكان أولهم عضو الكنيست عن حزب الليكود، داني دانون الذي نشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أقل من نصف ساعة من تنفيذ العملية، منشوراً قدم خلاله الشكر الكبير لأجهزة الأمن والاستخبارات وكل من ساعد في تنفيذ هذه العملية، مضيفاً أن “إسرائيل ستصل إلى كل مسؤول شارك وأسهم في هجوم حماس على بلدات الجنوب وغلاف غزة وسيكون مصيره القتل”.
وجاء حديث دانون بعدما طلب حزب الليكود، برئاسة نتنياهو، من وزراء ونواب الحزب عدم الإدلاء بأي تصريح أو حديث حول اغتيال العاروري كما طالبت الحكومة من وزرائها بالامتناع عن الحديث.
وفي تصريح واضح، هو الأول رسمياً لإسرائيل بالاعتراف بتنفيذها عملية الاغتيال، أعلن رئيس الموساد ديفيد برنياع، أن “إسرائيل لن تتوانى عن ملاحقة من نفذ أحداث أكتوبر حتى وإن تطلب ذلك وقتاً طويلاً لكنها ستلاحقهم وستصل إلى كل قادة حماس في غزة والضفة والخارج”.
واستغل برنياع كلمته التي ألقاها في تشييع الرئيس السابق للموساد، تسفي زمير، ليهدد بأن “إسرائيل ستصل إلى كل واحد منهم في أي مكان وجدوا فيه”. وقال برنياع “نوجد اليوم في ذروة حرب والموساد اليوم كما قبل 50 عاماً، يعد ويخطط لتصفية حساباته مع القتلة الذين اقتحموا غلاف غزة في السابع من أكتوبر ومع مخططي هذا اليوم ومع من أرسلوهم”. وأضاف “هذا الأمر يتطلب وقتاً لتنفيذه، لكن من دون شك أيدينا ستطالهم في أي مكان وجدوا فيه. وعلى كل أم عربية أن تعلم أنه إذا كان ابنها شارك بشكل مباشر أو غير مباشر في مذبحة السابع من أكتوبر فإن دمه مستباح”.
عدم مشاركة أحد من خارج “حماس”
وحتى لا تكشف أسرار العمليات التي وضعتها لملاحقة قادة “حماس” في الخارج، لن تنشر إسرائيل التفاصيل الدقيقة لعملية اغتيال العاروري، على الأقل في هذه الفترة، لكن جهات أمنية وسياسية تحرص على تسريب معلومات توضح نقاطاً مركزية لهذه العمليات، ويأتي ذلك ضمن التفاخر الإسرائيلي بنجاح عملية الاغتيال.
عند تنفيذ العملية جرى الحديث عن تنفيذها عبر طائرتين مسيرتين واحدة استهدفت مبنى في الضاحية الجنوبية وأخرى استهدفت سيارة، لكن اتضح فيما بعد أن العملية نُفذت من قبل طائرة مسيرة يصفها الإسرائيليون بالطائرة الانتحارية التي يتم توجيهها إلى الهدف بتنسيق دقيق بين سلاح الجو ووحدة الاستخبارات الخاصة التي تتلقى المعلومات من العميل الذي تم توكيله لمراقبة العاروري. وكان أحد أبرز بنود خطة اغتيال العاروري ألا يكون لوحده بل مع مجموعة من شخصيات أخرى شرط ألا يكون أي شخص في وقت تنفيذ العملية من “حزب الله” أو إيران.
من جهته، اعتبر الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية، عاموس يدلين، عملية اغتيال العاروري واحدة من العمليات العالية المستوى التي تعتمد بالأساس على التنسيق بين سلاح الجو والاستخبارات، حيث تم جمع معلومات استخباراتية دقيقة غير مسبوقة.
وبحسب يدلين، فإن العاروري كبقية قادة “حماس” في الخارج يدركون أنهم مستهدفين، وقال “سبق وبعث رئيس الحكومة، ووزير الأمن، ورئيس الشاباك، بأكثر من رسالة عبر تصريحاتهم، أن قادة حماس مستهدفون وأن إسرائيل ستصلهم أينما وجدوا، كما توجد قائمة لمطلوبين من حماس سيدفعون جميعاً ثمن ما حدث للإسرائيليين في السابع من أكتوبر”.
وبحسب يدلين، فإن العاروري كان يعلم أنه مطلوب وكان ينتقل من بيت إلى آخر ويختبئ في أماكن مختلفة. وقال “كانت لدينا استخبارات علمت أين يوجد بالضبط، وواضح أن إسرائيل خططت لأن يكون توقيتها ومكانها بحيث لا يوجد أي شخص من حزب الله”. وأضاف متفاخراً “كانت الاستخبارات دقيقة… دقيقة جداً، فالهدف كان حماس وهذا ما تم استخباراتياً، أما بالنسبة إلى التنفيذ الذي تم من قبل سلاح الجو فهذا يدل وبشكل واضح على أنه ينفذ عمليات لا يستطيع تنفيذها أي سلاح جو في العالم”.
قلق في أكثر من جانب
أمام هذا التفاخر الإسرائيلي يتزايد القلق من خطر تصعيد أمني تجاه لبنان، في وقت لم تتمكن إسرائيل بعد من تحقيق أهداف حربها في غزة. وبعد عملية الاغتيال كثفت القيادة العسكرية جهودها في الجبهة الشمالية وبعثت إلى المنطقة قوات معززة من الجيش ورفعت استعدادها وجاهزية جيشها لاحتمال رد قوي على اغتيال العاروري سواء من ناحية الهجوم على لبنان أو الدفاع من قبل هجوم واسع وفتحت الملاجئ في جميع بلدات الشمال وفي حيفا، حيث أسرعت إلى فتح ملاجئها بعد أن حذرت جهات من الخطر في منطقة خليج حيفا بعد سقوط صواريخ بالقرب منها لما تحتويه من مواد كيماوية”.
ويسود قلق بعد اغتيال العاروري، على مصير الأسرى في غزة، فالعملية نُفذت في وقت كانت المفاوضات تتقدم نحو التوصل إلى اتفاق يضمن الإفراج عن 40 أسيراً على الأقل من النساء والمرضى والمصابين وكبار السن. في أعقاب الاغتيال يتزايد القلق بين عائلات الأسرى، التي تعتبر أن كل يوم يمر من دون الإفراج عنهم يهدد حياتهم بالخطر.
من جهة أخرى، عبّر أكثر من مسؤول أمني وسياسي عن أن هذه الخطوة ستعرقل الصفقة، وذلك بعكس ما يصرح به مسؤولون إسرائيليون بأن تكثيف الضغط في غزة وعلى قيادة حركة “حماس” سيسهم في تليين موقف القائد في الحركة يحيى السنوار والتقدم نحو صفقة أسرى.
واستبعد الخبير في الشؤون العسكرية ناحوم برنياع، ما قاله مسؤولون ووسائل إعلام إسرائيلية بأن اغتيال العاروري سيزيد احتمالات التوصل إلى صفقة تبادل أسرى. وصرح “لا أعتقد أن هناك أي مسؤول بين متخذي القرار مقتنع بأن الاغتيال سيليّن مواقف السنوار نحو صفقة أخرى. فهذه قصص نرويها لأنفسنا. والأرجح أكثر هو أن الاغتيال سيؤخر، وربما يحبط، استمرار المفاوضات”. وأضاف برنياع “بالنسبة إلى الخطر على حياة الأسرى في غزة، فإن أي تأخير من شأنه أن ينطوي على أهمية بالغة، وأي تصفية من شأنها أن تقود إلى تصفية مضادة. وبإمكان حماس أن تحاول الانتقام بواسطة عمليات مسلحة في الضفة والقدس. وحزب الله سيرد أيضاً، عاجلاً أم آجلاً. وحيّز رد فعله أكبر من حيّز حماس. وثمة أمر واحد مؤكد، وهو أن موت العاروري ومساعديه ألحق ضرراً بفرع حماس في بيروت في المدى القصير، لكنه لن يغير الواقع”.