بينما كان حسين شملخ يسير في شوارع غزة بحثاً عن طعام، تفاجأ بطائرة مسيرة من نوع “كواد كابتر” أمامه، لكن الشاب لم يعرها أي اهتمام، فهو يعرفها جيداً ويدرك أن الجيش الإسرائيلي أرسلها لجمع معلومات استخباراتية.
تطلق النار
واصل حسين طريقه وكان في الشارع مئات المواطنين يتجولون لنفس الغرض، إلا أن طائرة “كواد كابتر” أطلقت عليه الأعيرة النارية، وأصابته في يده، هرع الشاب والجميع خوفاً، من دون أن يجيد أحد منهم التصرف، إذ لأول مرة يشاهدون مسيرة تطلق النار.
يقول حسين “ما حدث شيء غريب جداً وصادم، نحن نعرف أن الطائرات المسيرة بخاصة من نوع (كواد كابتر) تستخدم عادة لأغراض التصوير، ونعرف أن نوعاً آخر يحمل متفجرات وقنابل، لكن لأول مرة أشاهد دروناً تطلق ذخيرة حية”.
لدى إسرائيل سرب من الطائرات المسيرة المختلفة الأنواع وتستخدمها لأغراض متعددة، ومن أبرز القطع الجوية التي استخدمتها في الحرب الدائرة ضد حركة “حماس” كانت مسيرة “هرماس 900” التي تعد أحدث طائرة مسيرة لدى تل أبيب وقادرة على إسقاط قنابل، وكذلك درون “سكاي لارك-2” واستخدمها الجيش الإسرائيلي لأغراض التجسس، والطائرة “كواد كابتر” التي بات يطلق عليها سكان غزة “شبح الموت الطائر”.
تطوير كبير
في العادة تستخدم “كواد كابتر” لأغراض مدنية مثل التصوير الصحافي، ثم دخلت في المجال العسكري لأغراض التجسس، إلا أن إسرائيل طورتها بشكل كبير وأصبحت تحمل قنابل متفجرة صغيرة، وباتت تعتمد عليها في تنفيذ عمليات اغتيال.
في الحرب التي يئس منها سكان غزة نشر الجيش الإسرائيلي في سماء قطاع غزة طائرات “كواد كابتر”، لكن مع إضافة تطويرات ضخمة عليها، إذ نصب عليها رشاشات تطلق النار مباشرة.
في فترة تولي أفيف كوخافي رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي أمر بزيادة معدل إنتاج الحوامات الهجومية في إطار الاستعدادات للحرب المقبلة والتعامل مع التهديد الصاروخي، وطلب إضافة خاصية حمل أسلحة آلية.
استجابت شركة (Smart Shooter) الإسرائيلية وطورت “كواد كابتر” بما يشمل جعلها تحمل رشاشاً لإطلاق النار على أهداف ثابتة أو متحركة أثناء الطيران، ويمكن تشغيل هذا السلاح عن بعد بواسطة جهاز حاسوب أو بشكل تلقائي حسب البرمجة.
الذكاء الاصطناعي
ورصدت الفصائل الفلسطينية أن إسرائيل أجرت تغييرات في أسلحة الجيش، وأصبحت تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ومن بين تلك الأسلحة دبابات تسير ذاتياً وتطلق النار من دون وجود كادر بشري فيها، كما حولت طائرة “كواد كابتر” التي كانت مخصصة للتجسس أو إلقاء قنابل غازية إلى طائرات تطلق رصاصاً عبر رشاشات وأدخلت الروبوتات إلى مواقع قتالية، خصوصاً الأنفاق.
بالفعل، لاحظ سكان غزة أن “الكواد كابتر” باتت تطلق النار، وأصبحت خطراً يداهم شوارع وأزقة الحارات وحتى البيوت، إذ يمكن لهذه القطع الجوية أن تخترق الجدران والنوافذ بسهولة وتحوم في أي أرجاء.
تقتل وتدخل البيوت
يقول المواطن أحمد أبو سمعان “قتلت (كواد كابتر) مدنيين في مخيم النصيرات، يمكن أن يرى سكان غزة بالعين المجردة الأسلحة الرشاشة التي تحملها هذه الطائرات، وما إن نشاهدها نبتعد عنها لأنها أصبحت أداة قتل، قبل أيام أصيب صديقي عند محاولته الخروج من المنطقة إلى شارع صلاح الدين”.
ويوضح منير الريس أن درون (كواد كابتر) تصدر صوتاً يشبه صوت مروحية الهليكوبتر لكن بدرجة أقل، وهي تحلق بسرعة كبيرة، وتدخل البيوت مما يتسبب برعب كبير، وقد سمعنا مرات إطلاقها النار على أفراد عائلات يعيشون قربنا، لكننا لا نعرف عدد الجيران الذين سقطوا نتيجة أعيرتها النارية.
وذكر صبحي السمري أنه تعرض لإطلاق نار داخل زقاق صغير خلف بيته من طائرة صغيرة الحجم مثبت عليها سلاح آلي، مما أدى إلى إصابته برصاصتين، إحداهما في الفخذ والأخرى في يده اليسرى، مبيناً أنه كان يمر بالزقاق وفجأة ظهرت الطائرة أمامه وكانت قد خرجت من نافذة منزله.
إعدامات ميدانية
ووفقاً للمتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أشرف القدرة فإن العاملين الصحيين رصدوا أن أغلب حالات الإعدام والقتل الميداني جرت بواسطة أعيرة نارية غريبة، إذ لم تكن رصاصات أطلقت من أسلحة من نوع بندقية، وهذا يدفع إلى الاعتقاد أن حالات القتل كانت بواسطة مسيرات “كواد كابتر”.
بحسب بيانات وزارة الصحة فإن العدد الإجمالي لقتلى هجمات الطائرات المسيرة وصل إلى 700 حالة بينهم 103 أطفال و332 امرأة، كما ألحقت درون “كواد كابتر” أضراراً بـ3332 منزلاً.
تنفذ مهمات الجنود
يقول المتخصص في الشؤون العسكرية صفوت شاهين إن “كواد كابتر” الجديدة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي أصبحت تحل مكان الجنود وتنفذ مهماتهم، بخاصة في ما يتعلق بمهاجمة أماكن بهدف القتل في أي لحظة.
ويضيف شاهين “يستخدم الجيش الإسرائيلي الطائرات المسيرة كأداة قتل، لأنها تملك قدرة التنقل بسهولة بين الأماكن بسبب صغر حجمها، مما يسمح لها بالوصول إلى أهداف ضيقة، كما اعتمد عليها في تفريغ المناطق وتطبيق حظر التجول أحياناً”.
لكن الخبير العسكري يؤكد أنه على رغم التطور الرهيب في الطائرات المسيرة فإن إسرائيل ما زالت تستخدمها لأغراض التجسس واستطلاع المعلومات، فصغر حجمها يساعدها على القيام بهذه المهات بحرفية عالية وسهولة كبيرة.
ومن إسرائيل يؤكد المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري أنهم يستخدمون القطع الجوية الصغيرة لتنفيذ مهمات خطيرة وتنجح على الأغلب في أداء المطلوب منها بكفاءة عالية، ويشير إلى أن “كواد كابتر” سلاح فعال منذ أن دخل الخدمة العسكرية.