توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل
تشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل في الوقت الراهن حالة من عدم الاستقرار نتيجة استمرار العمليات العسكرية في عمق القطاع ورفض الحكومة الإسرائيلية التجاوب مع الطرح الدولي والإقليمي بوقف إطلاق النار وبدء مسار سياسي جديد، ومع اتجاه الحكومة الإسرائيلية إلى بدء الترتيبات الأمنية النهائية لحسم خيارات المواجهة المقبلة مع أي كيان من “المقاومة الفلسطينية” والاتجاه إلى إطلاق التصريحات في شأن احتلال محور فيلادلفيا بالكامل لمنع حدوث أية اختراقات حقيقية محتملة لاحقاً، حيث رفضت مصر مثل هذه الإجراءات نظراً إلى وجود اتفاق بين الجانبين يقضي بضرورة إجراء اتفاق ثنائي، وليس القيام أو الشروع في القيام بأية أعمال انفرادية تؤثر في الوجود المصري على الجانب الآخر.
مشكلات حقيقية بين مصر وإسرائيل
أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحات متتالية تؤكد ضرورة احتلال محور فيلادلفيا لحسم أية مواجهة محتملة، وتوالت تصريحات وزير الدفاع يوآف غالانت وقادة المنطقة الجنوبية، ما يؤكد أن إطلاق هذه التصريحات تستهدف أموراً عدة، أولها: جس نبض مصر في التعامل والرد على الموقف الإسرائيلي، خصصوصاً أن القاهرة تعاملت بحسم مع المواقف الإسرائيلية التي بدأت بشن هجوم على الموقف المصري في محكمة العدل الدولية، ثم مروراً بالرد على الأكاذيب التي أطلقتها إسرائيل في شأن وجود الأنفاق، وأن القاهرة سبب ما يجري، وتعاملت مصر بمسؤولية كاملة، وفندت الادعاءات الإسرائيلية تباعاً، مما أدى إلى مزيد من المواجهات الإعلامية، بخاصة مع سيل المقالات والتصريحات الإسرائيلية – وإن كان بعضها إعلامياً، ومن مسؤولين غير سابقين – والتي تستهدف مصر بخاصة، وأن القاهرة رفضت كل الخيارات الداعية إلى الترحيل و”الترانسفير” لسكان قطاع غزة، بل ونجحت في نقل الصورة للعالم من خلال زيارات المسؤولين الأجانب إلى معبر رفح، والرواية واضحة، محاولة إدخال مصر في حلبة ما يجري على اعتبار أن مصر قد تقبل بإدخال الفلسطينيين، وحسم الأمر، وهو المخطط الشيطاني الذي سبق للحكومة الإسرائيلية أن تعاملت معه، وأفشلته القاهرة بصورة مباشرة.
ثانيها: إن مجلس الحرب، أو المستوى العسكري، بات يعمل على الأرض متنقلاً بين الأهداف الرئيسة من جانب، وهو التعامل الانفرادي مع الواقع السياسي والعسكري الحالي، ومن دون مراعاة لضوابط أو معايير في ظل سقوط قتلى من الجيش الإسرائيلي بعدد كبير ودفعة واحدة، مثلما جرى أخيراً بعد مقتل 24 جندياً وضابطاً، ما يؤكد أن المستوى العسكري ما زال ماضياً في مخططه العسكري، وأن ما يجري في القطاع يستهدف في المقام الأول تقليص مساحة القطاع، وإقامة منطقة عازلة بالكامل لمسافة كيلومتر إلى اثنين في القطاع، وإنهاء كافة الترتيبات قبل وقف إطلاق النار والإعلان عن إنجاز المهام الكبرى في قلب القطاع، ما يؤكد أن الهدف الراهن العمل على خيارات صفرية، مما قد يصطدم بالجانب المصري، خصوصاً أن أية ترتيبات انفرادية في محور فيلادلفيا ستواجه برفض مصري.
ومن المؤكد أن التخوف الإسرائيلي الحالي مرتبط برد فعل الجانب المصري، بخاصة أن المنطقة “د” التي يوجد فيها محور فيلادلفيا منطقة عمليات كاملة، مما قد يدفع إلى مواجهات محتملة، خصوصاً أن إعلان القاهرة على أن الأمر لن يمر، وأن أية إجراءات ستتطلب التعامل، بخاصة أن ما قد يجري يعد تجاوزاً للخط الأحمر الذي أعلنته مصر من قبل، ولن تقبل بتغييره، مما قد يدفع بسيناريوهات متعددة بالفعل.
ثالثها: وجود تخوف إسرائيلي، وعلى رغم ما يجري من إطلاق لتصريحات وتبني مواقف أو اتجاهات من الرد المصري على أي سلوك إسرائيلي مطروح ومرتبط بإمكانية استخدام الخيار العسكري وفتح جبهة جديدة مع جيش نظامي بثقل الجيش المصري، وليس مواجهات مع ميليشيات أو فصائل كما يرى بعض الجنرالات الإسرائيليين في هيئة الأركان، حيث يرون أن الدخول في مواجهة مع مصر في الوقت الراهن، ولو بصورة مصغرة، قد ينفتح على سيناريوهات غير معلومة تداعياتها خطرة ومكلفة، وقد تؤدي إلى انفتاح كامل للجبهات لن تقتصر على منطقة محور فيلادلفيا في ظل وجود تهديدات فرعية من البحر الأحمر، ومن الشمال، حيث الفصائل العراقية التي استهدفت ميناء أشدود أخيراً في إشارة إلى أن ما يجري قد يحدث بالفعل، وسيكلف إسرائيل كثيراً، مما يتطلب الحذر والقدرة على التعامل بالتنسيق مع مصر وعدم الصدام معها في أية ترتيبات أمنية أو استراتيجية مقترحة، ومنها ما تم طرحه بتركيب أجهزة استشعار وكاميرات ووحدات مشتركة، وغيرها مما تعرضه إسرائيل عبر اتصالاتها مع مصر، وقد رفضت القاهرة غالب هذه المقترحات، وتعاملت معها بصورة حاسمة، مما أعاد إسرائيل إلى إطلاق تصريحاتها على لسان مسؤوليها، وخصوصاً رئيس الوزراء نتنياهو.
الخيارات المتاحة
في السياق السابق يثار التساؤل حول ما هو القادم من خيارات؟ وفي أي مسار تمضي العلاقات المصرية – الإسرائيلية؟ وهل ستشهد مرحلة تأزم حقيقية؟ أم أن الجانب الإسرائيلي سيتراجع بالفعل؟ تشير كل التقييمات الإسرائيلية إلى أن مصر عقبة حقيقية أمام أية ترتيبات ستجري في القطاع، وأن موقف مصر مهم وضروري، وأنه من دون مصر لن ينجح غالب الترتيبات، أو المبادرات المطروحة، ومنها حكم القطاع أو إدارته في ظل احتلال إسرائيلي لبعض الوقت، ووجود إدارة فلسطينية، أو كيان أياً كان شكله يمكن التعامل معه.
من ثم، فإنه لا توجد أية مبررات في توتير العلاقات الثنائية، أو المساس بمعاهدة السلام مع مصر، أو الاقتراب من البروتوكول الأمني الحاكم للعلاقات المصرية – الإسرائيلية في سياقها الأمني، ويتطلب الإبقاء عليه، والاكتفاء بما تم مع بنوده طوال الفترة الماضية، وأنه لا توجد أية مبررات حقيقية لتعريض السلام مع مصر للخطر في الوقت الراهن، أو التنصل من بعض بنود المعاهدة، لأن مثل هذه الأمور قد تؤدي إلى مواجهات مع الجانب المصري، وتعريض السلام الراهن إلى الخطر.
ولهذا يتم التركيز في هذه التقييمات على ضرورة عدم الإنصات لشخصيات غير مسؤولة في الجانب الإسرائيلي لا تدرك طبيعة العلاقات المشتركة مع مصر، وليس لديها أي إلمام حقيقي بمنظومة العلاقات الكبيرة أمنياً واقتصادياً وسياسياً، وإن الاستمرار في هذا الخط العدائي سيكون مكلفاً، خصوصاً أن القاهرة لديها أوراق ضغط حقيقية قادرة على ردع إسرائيل، سواء من خلال جمع أكبر عدد من الدول الداعمة لموقفها، أو حشد موقف دولي في مواجهة إسرائيل، أو الإيعاز لدول صديقة برفع دعاوى قضائية في محكمة العدل الدولية، أو الاتجاه إلى تحديد أسماء كبيرة لاستهدافها في المحكمة الجنائية الدولية، أو الاتجاه لوقف الاتصالات الأمنية والسياسية بصورة تدريجية، مما قد يؤدي إلى حالة من القطيعة، واتجاه إسرائيل إلى خيارات انفرادية، وتحمل ما سيتم، وفي حال اتجاه القاهرة إلى خيارات أخرى قد تبدو صفرية، وأهمها بالتأكيد تجميد العمل بالبروتوكول الأمني، والاتجاه إلى فتح ملف معاهدة السلام والمطالبة بإعادة النظر في بعض بنودها.
وعلى رغم أن القاهرة لم تطرح ذلك وماضية في الالتزام بموقف محدد ومباشر وعدم التداخل في الملف الثنائي المتعدد الذي يضم مصر والجانب الفلسطيني والأردني، فإن الإشكالية الحقيقية تتمثل في ضرورة الخروج من المعضلة الراهنة بأقل الخسائر الممكنة، وهو ما يؤكد أن القاهرة لن تقف صامتة أمام ما يجري بالفعل، وسيكون لها موقفها في حال إقدام إسرائيل على التصعيد والذهاب إلى إجراءات منفردة ليس في محور فيلادلفيا فقط، بل في عمق القطاع، بخاصة أن القاهرة لا تزال تباشر دورها تجاه الوساطة، والتواصل مع قيادات حركتي “حماس” و”الجهاد”، ولا تزال تباشر دورها السياسي، وتعمل على تقريب وجهات النظر، لكن – وفي حال الذهاب إلى إجراءات أمنية من جانب واحد – فإن القاهرة قد توقف ما تقوم به في ظل تعنت الجانب الإسرائيلي، واتجاه حركة “حماس” للتصعيد ورفض كل المقترحات الراهنة بتبادل تدريجي للأسرى، والعمل على إقرار التهدئة بصورة مباشرة، وهو ما لم يتفهمه الجانب الإسرائيلي، وقد يؤدي إلى تبعات عديدة، خصوصاً أن الوسيط القطري هو الآخر بات مستهدفاً من الجانب الإسرائيلي، بل واتهامه بأنه من مول ودعم حركة “حماس”، وهناك من طالب بالفعل بضرورة نقل الفلسطينيين إلى قطر، وحسم الأمر ما قد يعطي دلالات بأن إسرائيل قد تصعد.
الخلاصات الأخيرة
قد تشهد منظومة العلاقات بين مصر وإسرائيل تغيراً حقيقياً، وفي اتجاه سلبي، في حالة استمرار إسرائيل في مخططها، لكنها لن تذهب إلى الخيار الصفري إلا في حال المضي قدماً في إجراءاتها بالكامل، واحتلال محور فيلادلفيا سيعني أول اختبار حقيقية للرد المصري المتوقع، والذي بدأ برفض الرئيس عبدالفتاح السيسي التواصل مع نتنياهو، وهو ما قد يمتد إلى مزيد من الإجراءات بوقف التحركات المصرية متعددة الاتجاهات لإيجاد حل، أو يقلل من الانخراط الراهن في التعامل، مما قد يكون مؤثراً في طبيعة العلاقات مع إسرائيل، خصوصاً أن الإمعان في استهداف مصر سياسياً وإعلامياً لدفعها للتراجع عن مواقفها، أو في الأقل أن تقلل منها سيكون هو الهدف الرئيس مما سيجري من قبل إسرائيل الرسمية، أو غير الرسمية، بخاصة أن مصر ستظل في كل الأحوال في المشهد الذي يتشكل أمنياً وسياسياً وقادرة على التعامل معه، بما في ذلك إمكانية توظيف قدراتها العسكرية لتحقيق ما تعلنه من مواقف، وهذا هو المطروح في الوقت الراهن، ونقل لإسرائيل بصورة مباشرة وفي ظل تواصل الجهود المشتركة أميركياً وفرنسياً وقطرياً، والتي تتشارك فيها كل من مصر وإسرائيل، واتضحت في اللقاء الاستخباراتي في باريس والماضي في محاولة تفكيك عناصر الأزمة ومحاولة التوصل إلى نقطة توافق جديدة.
تابع العلاقات بين مصر وإسرائيل فى الفترة القادمة وكيف تتعامل مصر مع عدم استقرار العلاقات من خلال احدث اخبار مصر الذى يوفرها موقع سامرى الاخبارى.