في إشارة إلى تفكيك جميع قدرات حركة “حماس” في غزة، أعلن عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس أنه قرر الانتقال إلى العيش في منطقة “ياد مردخاي” بالقرب من حدود الفاصلة بين إسرائيل والقطاع.
منطقة “ياد مردخاي” هي أحد الكيبوتسات الواقعة في غلاف غزة، وتبعد عدة كيلومترات عن القطاع، واقتحمها عناصر حركة “حماس” في الهجوم الذي شنوه على البلدات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر العام الماضي.
إسرائيل وحديثها عن الانتصار
يحمل قرار غانتس دلالات واضحة على أن الجيش الإسرائيلي تمكن من تفكيك جميع قدرات حركة “حماس” في الأقل بشمال القطاع، وهي المنطقة التي شهدت قتالاً عنيفاً منذ بدء الحرب، وأعلنت إسرائيل، أخيراً، انتهاء عملياتها العسكرية فيها.
ويعني القرار أيضاً أن غزة لم تعد تشكل تهديداً على أمن تل أبيب، وأن إسرائيل بدأت في تحقيق أهداف الحرب التي وضعتها وتتمثل في تدمير قدرات حركة “حماس” وضمان ألا تشكل غزة مصدر تهديد وإعادة الرهائن.
لكن حديث غانتس عن نقل منزله إلى غلاف غزة بسبب إنجازات الجيش الإسرائيلي على الأرض، قابلته حركة “حماس” بقرار إعادة نشر عناصرها على الأرض وخصوصاً في منطقة شمال القطاع، وهذا دفع الأوساط الإسرائيلية إلى التساؤل: “هل ما زالت حماس تسيطر على القطاع؟”.
نشر الشرطة مرة اخرى
اقتصر عمل المؤسسات الحكومية على الجزء الجنوبي من قطاع غزة، وبرز تحرك واضح للشرطة والأجهزة الأمنية، إذ تحركت عناصر هذه الأجهزة بسياراتها المعروفة ذات اللون الأزرق، لكن لم تمارس أي دور فعلي في حفظ النظام وضبط الأسواق ومنع الاستغلال وارتفاع الأسعار المجنون.
وعندما انسحب الجيش الإسرائيلي من شمال غزة على خلفية إعلان قيادة تل أبيب انتهاء العمليات العسكرية الكبرى هناك وتمكن القوات من تفكيك قدرات حركة “حماس”، أتاح ذلك للأخيرة إعادة نشر عناصر الأمن والشرطة في المنطقة والتحرك على الأرض بلباس رسمي.
وانتشرت صور لعناصر الشرطة وهم يتجولون في الشوارع والأسواق ويحاولون ضبط الأمن في شمال غزة، وهذا ما أثار غضب إسرائيل التي سرعان ما ردت بشن حملة جديدة للقضاء على ما أطلقت عليه “جيوب حماس”.
الرواتب لها أولوية
لم يقتصر عودة نشاط “حماس” على عناصر الشرطة، بل تفيد المعلومات الواردة إلى أن الحركة طلبت من مسؤوليها في حكومة غزة العودة إلى ممارسة عملهم الرسمي، إذ باشر موظفون من وزارتي المالية والداخلية نشاطهم الميداني، وذلك لإظهار أن الحركة ما زالت موجودة وقادرة على الحكم، ولمنع حالة فوضى كبيرة محتملة.
والأغرب من ذلك، أن حركة “حماس” دفعت رواتب منقوصة لموظفيها في شمال وجنوب غزة، وطلبت من العاملين في الشمال ضبط الأسواق واعتقال اللصوص وأي محتكرين والتجار المستغلين للأوضاع، وهذا ما لم تفعله بالجنوب الذي يشهد تحركاً أفضل لعناصرها.
وتحدث رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية أن حركته ما زالت تسيطر على قطاع غزة بشكل صريح وواضح. وقال “لن يكون هناك فوضى أو فراغ في القطاع، كما تروج إسرائيل، لأن الأجهزة الأمنية والشرطية وحتى المؤسسات الحكومية تعمل حالياً في مختلف محافظات غزة، وتقوم بجهدها بالإمكانات المتاحة”.
كيف يبدو المشهد؟
في الواقع، منذ أن بدأت الحرب بين قطاع غزة وإسرائيل تلاشى بشكل واضح دور الحكومة التي تديرها حركة “حماس”، ولم تعد الأجهزة الشرطية ولا الأمنية تمارس عملها على أرض الواقع، وحتى الوزارات المدنية الأخرى توقفت عن العمل.
وشمل توقف حكومة غزة عن العمل شقي القطاع الشمالي والجنوبي، واستمرت الحال كذلك حتى سمحت إسرائيل بعمل القطاع الخاص التجاري، وحينها بدأت بعض الوزارات الحكومية تعود إلى ممارسة عملها.
كانت وزارة الاقتصاد أول مؤسسة حكومية تعود لمباشرة عملها، وعقدت اجتماعات لها في معبر رفح، ونشرت موظفيها بمحافظة رفح أقصى جنوب القطاع، وبحسب المعلومات المتوافرة فإنها عملت على جمع الضرائب بشكل مضاعف من التجار، ثم بعد ذلك عادت وزارة التنمية الاجتماعية.
لا يوجد بدائل
لكن السؤال الذي يدور في إسرائيل حول مدى سيطرة حركة “حماس” على القطاع، دفع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هليفي إلى تحذير قادة تل أبيب بأن المكاسب التي تحققت في غزة قد تتلاشى إذا لم يكن هناك خطة لإدارة القطاع ومؤسسة بديلة تتولى المهام هناك.
في أي حال، جاء رد إسرائيل على إعادة تنشيط “حماس” لعناصر حكومتها في شمال غزة، من وزير الدفاع يوآف غالانت الذي قال “قواتنا ستلاحق جيوب حماس شمال قطاع غزة، نحن لدينا رسالة واضحة مفادها لن يكون هناك حماس في الحكم بأي شكل من الأشكال”.
حول ذلك قال الباحث في الشؤون السياسية زيد الأيوبي “عدم وجود مؤسسة حكومية بديلة عن حماس تتسلم القطاع وتنتشر بسرعة وتضبط الميدان يدفع الحركة إلى إعادة نشر عناصرها، هذا شيء طبيعي لأنه يجب أن يكون هناك مؤسسة رسمية وليس فراغاً”.
وأضاف الأيوبي “يجب أن يكون هناك بديل، مثلاً أن تمارس السلطة الفلسطينية مهامها في غزة، أو تتفق الفصائل الفلسطينية في ما بينها على شكل الحكومة وتنقل إليها المهام تدريجاً، لكن عدم وجود خطة يطيل أمد الحرب ويجعلها بلا نتائج”.
وأوضح “إذا كانت حماس معنية في شأن مصالح الناس عليها دعوة السلطة الفلسطينية لتسلم مهامها، وهنا تكون الحركة حققت مصالح مختلفة مثل إحراج إسرائيل وزيادة الفجوة بين تل أبيب وأميركا، وكذلك وضع المجتمع الدولي عند مسؤولياته، لكن ذلك مشروط بمدى اهتمام حماس بمصالح الشعب”.