تجاوز الصراع في غزة أسبوعه العشرين. فقد أدت الحرب المتواصلة منذ شهر أكتوبر إلى إبعاد الناس باتجاه الجنوب، ودفعتهم إلى رفح، آخر امتداد لأراضي غزة قبل الحدود المصرية.
لقد ارتفع عدد سكان رفح في الأسابيع الستة الماضية من أقل من 300 ألف شخص إلى 1.4 مليون نسمة، حيث تبحث الأسر اليائسة، بما في ذلك العديد من الأطفال الصغار، عن ملجأ من العنف المروع في أجزاء أخرى من القطاع.
ويواجه سكان غزة الذين يحتمون في رفح الآن واقعاً مروعاً يتمثل في إمكانية وقوع عمليات عسكرية واسعة النطاق وشيكة في نفس المنطقة التي فروا إليها بحثاً عن ملجأ. ومع ذلك، لا يمكن دفعهم أبعد من ذلك، ولا يوجد مكان آمن للذهاب إليه في الشمال.
وتحتل رفح مساحة قدرها 25 ميلاً مربعاً فقط على الحدود مع مصر، وتبلغ الكثافة السكانية فيها الآن ضعف كثافة سكان مدينة نيويورك وأكثر من أربعة أضعاف كثافة سكان واشنطن العاصمة. ولكن على النقيض من أي من هاتين المدينتين الأميركيتين، فإن الناس في رفح لا يعيشون في مبان شاهقة أو منازل مستقلة. إنهم يحتمون معًا في المستشفيات والمدارس المزدحمة. ويوجد أكثر من 610 آلاف طفل محاصرين هناك، ويشكلون حوالي نصف السكان النازحين.
ويعاني سكان غزة الذين يكافحون من أجل البقاء في رفح من ظروف لا يمكن تصورها، بما في ذلك التعرض لفترات طويلة لطقس الشتاء البارد والرطب، والاحتماء جنبًا إلى جنب في الشوارع، تحت الخيام والقماش المشمع في أي مكان يمكنهم العثور فيه على مساحة.
يواجه الآن هذا الجزء الصغير من غزة، الذي شهد بالفعل فيضا من المعاناة، احتمال المزيد من المصاعب والألم. وقد كثرت عناوين الأخبار في الأسابيع الأخيرة التي تتحدث عن هجوم وشيك محتمل.
ونظراً للكثافة السكانية الهائلة والافتقار إلى مساحات آمنة في رفح، فإن أي تصعيد عسكري كبير -وخاصة استخدام الأسلحة المتفجرة التي يمكن أن تكون لها عواقب عشوائية- سيكون كارثياً على السكان المدنيين المحاصرين هناك، خاصة السكان الأكثر ضعفاً.
وقد شهدنا بالفعل هذا الأمر في أجزاء أخرى من غزة، حيث تشير التقديرات إلى أن الأطفال والنساء يشكلون نسبة صادمة تبلغ 70% من أكثر من 29 ألف شخص أفادت التقارير أنهم قتلوا على مدى الأشهر الأربع الماضية.
ومن شأن هجوم كبير على رفح أن يضيف إلى حد كبير حصيلة القتلى والجرحى المروعة بالفعل في غزة. ومن المرجح أن يموت آلاف آخرون في أعمال العنف أو بسبب نقص الخدمات الأساسية، والمزيد من انقطاع المساعدات الإنسانية المقدمة إلى السكان المدنيين المعرضين للخطر الشديد. ومن شأن الهجوم أن يؤدي أيضًا إلى تسريع الانهيار المستمر للقانون والنظام.
وقد شهد موظفو اليونيسف الموجودون على الأرض على بعض الفظائع القاسية لهذه الحرب. لقد ارتكبت أطراف النزاع انتهاكات جسيمة بشكل صارخ ضد الأطفال، بما فيه القتل والتشويه والاختطاف والهجمات على المدارس والمستشفيات والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية.
ويتوجه الأطفال المصابون إلى المستشفيات القليلة المتبقية العاملة وهم مصابون بحروق شديدة وإصابات تتطلب البتر وجروح مفتوحة وغيرها من الصدمات الخطيرة.
تعد رفح موطنًا لبعض آخر المستشفيات والملاجئ والأسواق وشبكات المياه المتبقية في غزة، وكلها ضرورية لصحة الأطفال ورفاههم. وبدون هذه الموارد، ستزداد معدلات الجوع والمرض بشكل كبير، مما سيكلف المزيد من الأطفال حياتهم.
وتشير تقديراتنا حتى الآن إلى أن ما لا يقل عن 90% من أطفال غزة دون سن الخامسة مصابون بواحد أو أكثر من الأمراض المعدية، وأن 70% أصيبوا بالإسهال في الأسبوعين الماضيين، وهي زيادة قدرها 23 ضعفًا مقارنة بخط الأساس للعام 2022.
وتفيد التقارير أن هناك خططاً لإجلاء المدنيين في رفح قبل شن هجوم عسكري كبير. ولكن أين يمكن أن يذهبوا؟ لقد تحول جزء كبير من قطاع غزة إلى أنقاض. ولا يجوز دفع المدنيين أكثر إلى الجنوب. ولا يمكنهم، كما اقترح البعض، الانتقال بشكل معقول إلى المواصي، وهي بلدة فلسطينية تقع على الساحل الجنوبي لقطاع غزة، لأنها مجرد شريط ضيق من الشاطئ يفتقر إلى البنية التحتية الأساسية بما في ذلك المراحيض الكافية والمياه الجارية اللازمة لدعم السكان.
لقد تم بالفعل تهجير معظم الأطفال في رفح عدة مرات بسبب القتال في غزة، وهو ما يشكل انتهاكاً مباشراً للقانون الدولي. ونحن نعلم أنه مع دخول الحرب أسبوعها العشرين، هناك العديد من الجرحى والمرضى وسوء التغذية، وسيكافحون من أجل العثور على ما يكفي من المال للتحرك مرة أخرى. وتشير تقديراتنا إلى أن ما لا يقل عن 17 ألف طفل في غزة أصبحوا الآن غير مصحوبين بذويهم أو انفصلوا عن أسرهم، وهو رقم من شأنه أن يرتفع بالتأكيد في حالة حدوث المزيد من النزوح السكاني.
ومن الضروري الامتناع عن المزيد من التصعيد العسكري في رفح وما حولها، وضمان إطلاق سراح جميع الرهائن الذين ما زالوا داخل غزة بشكل عاجل وآمن. وإذا لم تستجب الأطراف لهذه الدعوة، فإنها ستكون مسؤولة عن وفاة العديد من الأطفال، بالإضافة إلى الآلاف الذين لقوا حتفهم بالفعل.
ينبغي على أطراف النزاع تنفيذ وقف إطلاق نار إنساني دائم على وجه السرعة حتى تتمكن مجموعتنا والوكالات الإنسانية الأخرى من المساعدة في تنفيذ عمليات الوكالات المتعددة الضخمة التي تشتد الحاجة إليها. وإنني أحث السلطات بشدة على السماح لمزيد من شاحنات المساعدات بالمرور عبر نقاط التفتيش الحدودية، ورفع القيود المفروضة على حركة العاملين في المجال الإنساني، وضمان سلامة الأشخاص الذين يصلون إلى المساعدات ويقومون بتوزيعها.
إن تدمير غزة وقتل المدنيين لن يجلب السلام أو الأمان إلى المنطقة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال حل سياسي تفاوضي، حل يعطي الأولوية لحقوق ورفاهية هذا الجيل والأجيال القادمة من الأطفال الإسرائيليين والفلسطينيين.