سلط تقرير جديد في “وول ستريت جورنال” الضوء على عدد من الوفيات المريبة لشخصيات روسية منذ غزو أوكرانيا، وقد لا تكون كلها مرتبطة بأيدي الكرملين الخفية إلا أن عددها كاف لتخصص ويكيبيديا باللغة الإنجليزية صفحة مستقلة لها بعنوان “وفيات مشبوهة لرجال أعمال روس (2022 -2024)” تضم قائمة أسماء يجري تحديثها باستمرار وتضم 51 اسماً.
وإضافة إلى عملية التصفية الأحدث التي يتطرق إليها التقرير بالتفصيل عن الطيار الروسي المنشق مكسيم كوزمينوف في إسبانيا، فإن الصحيفة الأميركية تذكر عدداً آخر من الوفيات المشبوهة وآخرها مثلاً وفاة إيفان سيتشين، وهو نجل رئيس العملاق النفطي الروسي “روسنفت” إيغور سيتشين وأحد المقربين من الرئيس الروسي بوتين.
وسبق ذلك العثور على رجال أعمال مشنوقين في لندن وآخر غريق في بورتوريكو، بينما سقط أحد زعماء الحزب الحاكم الروسي من سطح أحد الفنادق الهندية، وتوفي نائب وزير العلوم البالغ من العمر (46 سنة) بسبب مرض غير محدد أثناء رحلة عودة من كوبا، فيما لا تزال الشرطة الإسبانية تحقق في وفاة نائب رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة “نوفاتيك” لإنتاج الغاز سيرغي بروتوسينيا وزوجته وابنته عام 2022 في منزلهما قرب برشلونة.
وبينما لا توجد بصمات واضحة للكرملين في هذه الوفيات، كما يشير التقرير، إلا أن حالات أخرى لا تترك مجالاً للشك، مثل تفجير طائرة القائد المارق لمجموعة “فاغنر” المرتزقة يفغيني بريغوجين، ووفاة خصم الكرملين الأبرز أليكسي نافالني في السجن الشهر الماضي، والذي نجا من محاولة قتل سابقة له بالتسميم عام 2020.
ومع بداية غزو أوكرانيا بدأت سلطات أجهزة المخابرات الثلاث الرئيسة في روسيا بالتعاظم، ونمت صلاحيات وكالة الأمن الفدرالي (FSB) والاستخبارات العسكرية الخارجية (GRU) وجهاز المخابرات الخارجية (SVR)، لدرجة لم يعد واضحاً معها الحدود بينها.
وبينما تأثر عملها بعد طرد أكثر من 400 دبلوماسي من الدول الغربية رداً على الغزو، إلا أن كثيراً من عملائها السريين توغلوا بين مئات آلاف الروس الذين هربوا من التعبئة إلى أوروبا وآسيا الوسطى وبلاد القوقاز، وأعادوا بناء الصفوف التي استنزفتها عمليات الطرد الدبلوماسي، كما يقول مسؤولون أوروبيون.
كما لفت التقرير إلى الاستخدام المتزايد للرعايا الأجانب في العمليات، فخلال العام الماضي ألقت السلطات البريطانية القبض على خمسة بلغاريين متهمين بالتجسس لمصلحة موسكو بعد مراقبة المنفيين الروس في لندن، من بين أمور أخرى.
وفي أبريل 2023 هرب أرتيوم أوس، وهو رجل أعمال وابن حليف مقرب لبوتين، من الإقامة الجبرية في إيطاليا بمساعدة عصابة إجرامية صربية، وتجنب تسليمه للولايات المتحدة، وكان محتجزاً بتهم جنائية لانتهاك العقوبات على التكنولوجيا العسكرية.
وبالعودة للطيار الروسي كوزمينوف الذي نجح في عملية انشقاقه بطائرته المروحية، فهي جاءت عبر الخط الساخن الذي أنشأته الاستخبارات العسكرية الأوكرانية بعنوان “أريد أن أعيش” للجنود الروس الذين يرغبون في إلقاء أسلحتهم والعبور، وقد ترك أكثر من 260 مجنداً مواقعهم من خلاله، بينما اتصل 26 ألفاً آخرين، وارتفعت المكالمات اليومية لفترة وجيزة 70 في المئة بعد إعلان كوزمينوف في سبتمبر 2023.
من جهتها أنتجت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ثلاثة مقاطع فيديو تشجع الروس، وبخاصة ضباط الأمن، على التعاون مع واشنطن، وتجتذب مقاطع الفيديو بشكل عام عشرات آلاف المشاهدات، وتقول الوكالة إنها ما كانت لتستمر في صنعها إذا لم تكن تجدي نفعاً.
وأهمل كوزمينوف النصائح الأوكرانية وقرر أخذ المكافأة النقدية (نصف مليون دولار) والانتقال للعيش في إسبانيا داخل مكان توجد فيه جالية روسية وأوكرانية كبيرة، وفي نهاية الأمر وجد مقتولاً الشهر الماضي أمام مدخل بنايته.
ولم تنكر موسكو مقتل الطيار، فقد قال رئيس المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين لوكالة الأنباء الروسية “تاس”، “لقد أصبح هذا الخائن والمجرم جثة أخلاقية في اللحظة نفسها التي خطط فيها لجريمته القذرة والمروعة”، أي أنه كتب مصيره المشؤوم لحظة انشقاقه.