لم تمض ساعات على انتهاء مناورات نفذتها القوات الأميركية بالاشتراك مع فصيل يتبع للمعارضة السورية المسلحة يسمى “جيش سوريا الحرة” في منطقة حدودية تقع قرب قاعدة التنف، شرق البلاد، حتى أعلنت موسكو بدء مناوراتها المشتركة مع قوات النظام السوري في منطقة خفض التصعيد الواقعة شمالاً.
لهيب الجبهات
حراك تبرره كل الأطراف المنخرطة بالنزاع بأنه لا يتعدى كونه “تدريباً عسكرياً” لكن يبقى ما يحدث في باطن الأمر أشبه برسائل كُتبت ببارود المدافع والرصاص، لتقول ما لا يقال.
وفي حين يتفق مراقبون في الميدان السوري إلى كون هذا المشهد أقرب إلى تطورات يمكنها تغيير واجهة الجبهات، وتبدل خطوط التماس وتجعلها أكثر سخونة في الأيام المقبلة، يعتبر مصدر ميداني مطلع على وقائع المعارك في شمال سوريا أن التدريبات الروسية في هذا التوقيت تأني كنوع من أنواع الرد السريع على المناورات الأميركية في منطقة تسمى (55) قرب المثلث الحدودي السوري الأردني والعراقي من جهة، ورسالة روسية بإمكانية إشعال منطقة خفض التصعيد في أي زمان تختاره من جهة ثانية.
في المقابل، اعتبرت أوساط سياسية متابعة للمناورات الأميركية أن أحد أهدافها المتعددة على الأرض، هو قطع الطريق على التمدد الإيراني الآخذ بالتوسع شرقاً منذ سنوات، وتحديداً عقب تكثيف الضربات الإسرائيلية جنوب دمشق في مواقع عسكرية تتبع للنفوذ الإيراني.
من جانب آخر، توجه المناورات الأميركيى رسالة إلى موسكو الساعية إلى تحقيق تقارب بين دمشق وأنقرة، علاوةً على ضرب “عصفور ثالث” يتمثل بقطع الطريق على مشروع للنقل البري أو السككي بين إيران وسوريا مروراً بالعراق، وربط الطريق الممتد من قاعدة التنف الأميركية بمناطق نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
كل هذا يحدث أما ناظري موسكو ودمشق الساعيتان إلى كسب الوقت بعد عودة النظام إلى الجامعة العربية وحضوره القمة العربية بجدة في 19 مايو (أيار) الماضي، إثر مفاوضات وفق مبدأ “خطوة بخطوة” اتفق عليها العرب مع سوريا. وبالتالي لدى دمشق خطوات طويلة على طريق التعافي تتمثل بوقف التصعيد الناري وإخراج القوات الأجنبية ومكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين وقائمة من المطالب المعيشية الأخرى.
وقائع الميدان
وكل هذا لن يحدث إذا لم تسعى دمشق عبر الجيش النظامي والقوات الحليفة له إلى استعادة مساحات من الأراضي التي سيطرت عليها، ومنها إدلب التي تقع تحت نفوذ “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) في الشمال الغربي، والجزيرة في الشمال الشرقي التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” وهي بمثابة خزان البلاد الغذائي من القمح والقطن ومورد كبير من النفط والغاز.
أمام ذلك الوضع، استبعد الخبير بالشؤون السياسة الإيرانية، سعد الشارع، أن تكون التدريبات العسكرية الأميركية تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على الطرق شرقاً، بل يمكن اعتبار أنها تدريبات شبه يومية لإبقاء الجاهزية على الأرض، ولديها هدف آخر يقضي بقطع الطريق على عودة تنظيم داعش وانتشاره”.
وأردف “مما لا شك فيه أن هذه التدريبات تبعث برسائل إلى الفصائل الإيرانية التي تستخدم مناطق في ريف دير الزور، غرب الفرات وتحديداً بالميادين والبوكمال كقواعد إسناد لها وتقوم بعمليات رد واستهداف قواعد في حقول العمر النفطي وكنيكو الغازي”.
ويصف الباحث السياسي، ما يحدث من تدريبات بأنها “رسائل أمنية وليست عسكرية تنبئ بثبات الواقع الراهن كما هو، ما لم تتغير السياسية الأميركية تجاه إيران. ولا يمكن إحداث أي تغيير جذري اتجاه إيران كقطع الطريق عليها إلا بعد اكتمال جاهزية عالية لدى الأميركيين، الأمر غير المتاح حالياً”.
المناورات الروسية
وأمام هذا المشهد المعقد وتبادل المناورات، برزت التدريبات الروسية التي بدأت في الخامس من يوليو (تموز) الحالي وتستمر لمدة ستة أيام كعمل مشترك وكرد على المناورة الأميركية، فيما أعلن نائب رئيس مركز المصالحة الروسي، أوليغ غورينوف أن “العمل المشترك للطيران والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية سجل تسع انتهاكات لسلامة الطيران في أجواء شمال سوريا لطائرات بدون طيار تابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن”.
وتتزامن تلك التطورات مع وصول تعزيزات أميركية عسكرية ولوجستية إلى قواعدها في شمال شرقي سوريا، تضم معدات لوجستية ومدرعات وأرتال تدفقت من معبر الوليد من العراق.
من جانبه، ذكر “جيش سوريا الحرة” وهو فصيل تشكل أخيراً بدعم أميركي، أن “المناورات تأتي كجزء من مهمة مشتركة لضمان الاستقرار وتعزيز القدرة القتالية المشتركة”. وغرد على تويتر قائلاً إن ” المناورات التدريبية امتدت في منطقة بطول 55 كيلومتراً”.
إلى ذلك، ومهما اختلفت الرسائل الأمنية والعسكرية التي يريد كل طرف توجيهها، تبقى الأرض السورية ساحة لرسائل تخطت حدود الإقليم إلى رسائل دولية حيث تسعى روسيا إلى تحقيق كسب على الأرض وصنع إنجاز فعلي بعد تمرد “فاغنر”، بينما يطمح الجانب الأميركي بحضور فاعل وأن يصبح اللاعب الأساسي عسكرياً قبيل أية مفاوضات قد تحدث في المستقبل.