ألف مشروع صغير للأسر المنتجة بالخرطوم تلقى دعم حكومي قبل اندلاع الحرب.. أين أصبح مصيرهم الآن؟

ألف مشروع صغير للأسر المنتجة بالخرطوم تلقى دعم حكومي قبل اندلاع الحرب.. أين أصبح مصيرهم الآن؟

قبل نشوب الحرب بالسودان انتشرت في البلاد بعض المشاريع الصغيرة المتنوعة والتي كانت ذات عوائد معقولة، وذلك لمواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها السودانيون، وطالما كان العنصر النسائي يحظى بالنصيب الأكبر منها.

وتمثلت الغالبية الكبرى من تلك المشاريع في بيع المأكولات والحلويات ومراكز التجميل الصغيرة وغيرها، والتي بلغ عددها أكثر من ألف مشروع في داخل العاصمة الخرطوم، لكن مع تفاقم الصراع الدائر في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل الماضي قضى علي آمال تلك المشاريع، كما تسبب في تعطل آلاف الموظفين والشركات التي كانت تعمل على توصيل منتجات هذه المشاريع للأسواق والمستهلكين.

نقل المشاريع

أما في ظل الأوضاع المعقدة بالسودان في الوقت الحالي، وفي وقت نزح فيه الآلاف من السكان للولايات المختلفة بينما لجأ سكان آخرون إلى دول مجاورة، فقد قرر أصحاب هذه المشاريع نقل مشاريعهم معهم أينما ذهبوا، بخاصة مصر التي يوجد فيها أكثر من 5 ملايين سوداني، وذلك من أجل استعادة نشاطهم في عدد من المدن المصرية ليتحدوا بذلك الظروف الصعبة التي أحاطت بهم.

سوق تنافسية

في هذا الصدد قال الباحث الاقتصادي هيثم محمد فتحي إن “الصناعات الصغيرة تهتم بها الجهات المختصة بالتنمية الاجتماعية، لخروج هذه الأسر من مربع الفقر والحاجة إلى دائرة الإنتاج والاكتفاء والعمل، مما يتسبب في تقليل نسبة البطالة”.

وأضاف فتحي أن “هذه المشاريع تستهدف الأسر المنتجة ولديها بنية تحتية للإنتاج، كما أن لها سوق للمواد الخام تصنع منها المنتجات وتبيعها في إحدى الأسواق،”، لافتاً إلى أنها كانت تحصل على دعم حكومي عبارة عن تمويل صغير لشراء مكوناتها الإنتاجية وتسويق سلعها.

اندماج إنتاجي

وعن استئناف هذه المشاريع عملها في السوق المصرية قال فتحي إن “المشاريع الصغيرة الآن في مصر لن تحقق النجاح المطلوب بسبب اختلاف البيئة، لأن أغلبها تستهدف الفئة السودانية الموجودة في المجتمع المصري، في حين أن السوق المصرية مختلفة بمكوناتها وأدواتها، مع عدم وجود دعم حكومي”، مشيراً إلى أن أهداف مشاريع الأسر المنتجة السودانية هي الأهداف نفسها لنظيرتها المصرية.

واقترح الباحث الاقتصادي “عمل تجمعات إنتاجية بين أكثر من أسرة لمشاريع أكبر وأكثر قوة تضمن بها الجاليات السودانية المنافسة في السوق المصرية”، موضحاً أن استهداف المشاريع للسودانيين فقط لن ينجح بسبب صغر مجتمعهم مقارنة بمجتمع المصريين، وكذلك فرص نجاح التسويق ستكون كبيرة بسبب التقارب والاندماج الكبير بين الشعبين.

منافسة مصرية

وتتميز السوق المصرية بالجودة العالية، والأسعار الجيدة مقارنة بدول عدة، وهو ما يجعل من الصعب على أصحاب المشاريع السودانية الصغيرة المنافسة بقوة، بحسب ما قاله المتخصص الاقتصادي سليمان أحمد.

وأضاف أحمد قائلاً “المشاريع السودانية دائماً ما تكون خجولة وتنتشر في نقاط محدودة، ولا تسعى إلى العالمية أبداً لأنها تستهدف أبناء جنسها فقط، إضافة إلى ارتفاع أسعارها مقارنة بجودتها مما يجعلها لا تستطيع المنافسة في السوق المصرية الكبيرة والمنفتحة على الجميع”.

ودعا المتخصص الاقتصادي أصحاب المشاريع السودانية الصغيرة ومنها المأكولات والحلويات إلى أن يركزوا على طريقة تقديم المنتج والأسعار المنطقية، وكذلك تقديم جودة عالية حتى تزيد من فرص إنتاجها في السوق المصرية لتتطور وتدخل عائداً مالياً مناسباً، إذ إنها باستهدافها للسوق السودانية فقط لن تحقق ما تصبو له، مؤكداً أن “المنتجات الأخرى المعروفة محلياً التي يمكن أن تحدث نقلة للثقافة السودانية كالعطور وغيرها يمكن أن تستهدف العالم أجمع، وفي الوقت نفسه تعكس الثقافة الشعبية وتحقق أرباحاً كبيرة”.

ونوه أحمد بمحدودية بعض المشاريع السودانية في مصر ومنها المطاعم والمقاهي، إذ إنها تقدم الخدمات بصورة متواضعة وأسعار عالية دائماً، مما يجعلها “مهجورة من أهل السودان قبل المصريين، إذ يذهبون لنظيرتها الأكثر كفاءة وجودة سواء المصرية أو الشامية أو اليمنية”.

استئناف العمل

صاحبة إحدى المشاريع الصغيرة في مجال التجميل داليا خالد قالت “جئت إلى القاهرة منذ شهر بسبب الحرب التي قضت على أحلامنا ومصالحنا، وبذلت مجهوداً مضاعفاً حتى أتمكن من ممارسة نشاطي السابق في مصر، وهي سوق يصعب اختراقها إذا لم تقدم أسعاراً تنافسية وجودة عالية، وهذا ما سنركز عليه حتى نثبت وجودنا”.

وتابعت خالد القول “سنعمل على عكس صورة مشرفة للسودان تثبت أن المشاريع السودانية قادرة على المنافسة وتقديم كل ما هو جيد، لأن لدينا الخبرة التراكمية في هذا المجال التي تجعلنا نكون إضافة حقيقية في السوق المصرية”.