يتوالى التصعيد الحوثي في السواحل الغربية اليمنية المطلة على البحر الأحمر في إطار ما يدعي أنه مساندة حركة “حماس” ضد اسرائيل في حين يعتبره مراقبون محاولات إعلامية لأخذ اللقطة واستغلال المشاعر المتضامنة داخلياً ودولياً مع الفلسطينيين لمصلحتة بالتزامن مع أنباء تتحدث عن تشكيل حلف دولي لكبح مشاغباته عسكرياً.
وأمس السبت أسقطت فرقاطة فرنسية مسيّرتين حوثيتين في البحر الأحمر كانتا متجهتين نحوها انطلاقاً من سواحل اليمن، حسبما أعلنت هيئة أركان الجيوش الفرنسية.
وقالت الهيئة في بيان إن الفرقاطة المتعددة المهمات “لانغدوك” العاملة في البحر الأحمر “اعترضت هذين التهديدين ودمرتهما”.
المزيد من الوعيد
وتأتي هذه المستجدات عقب سلسلة هجمات شنتها الميليشيات ضد سفن لها علاقة بإسرائيل على مدى الأسابيع الماضية في البحر الأحمر لتشمل حظر جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل، بحسب بيان الحوثيين مساء أمس.
وهددت الميليشيات باستهداف “جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل”، وحذر المتحدث العسكري باسمها “جميع السفن والشركات من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية”، متوعداً “ستقوم القوات بتطبيق هذا القرار من لحظة إعلان هذا البيان”.
والأسبوع الماضي، نفذت ميليشيات الحوثي أربع هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد ثلاث سفن في البحر الأحمر وهي “نمبر 9″ و”أم في سوفي” و”يونيتي إكسبلور”، وهذه الأخيرة مملوكة للمملكة المتحدة وتتبع شركة إسرائيلية.
بين العصا والقلم
هذه التطورات قوبلت بتحركات إقليمية ودولية لوحت بعصا القوة تارة، والحث تارة أخرى على الجلوس إلى طاولة الحوار السياسي في إطار الجهد الدولي المستمر حول إيجاد حلول مستدامة للأزمة اليمنية.
وبحسب ردود الفعل الدولية الرامية إلى وضع حد للقلق الحوثي في البحر الأحمر، تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى إنشاء قوة دولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر.
وكشف مسؤول في “البنتاغون” خلال تصريحات صحافية عن أن “واشنطن تسعى إلى دخول 40 دولة في القوة الدولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر”، موضحاً أن “القوة الدولية المزمع تشكيلها ستشمل مساحة 3 ملايين ميل من المياه الدولية”.
وهددت إسرائيل أمس بالرد العسكري على هجمات ميليشيات الحوثي في اليمن خلال تعليق لرئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي الذي قال إن “رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أبلغ الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتز عزمه التحرك عسكرياً ضد الحوثيين إذا لم يتخذا أي إجراءات ضدهم”.
أما على الصعيد الدبلوماسي، فناقش اللقاء الذي جمع وزيري خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان والولايات المتحدة أنتوني بلينكن في واشنطن المستجدات اليمنية بالتأكيد على دعم جهود الرياض لتأمين اتفاق سلام دائم في اليمن وكذلك إطلاق حوار سياسي بين اليمنيين تحت رعاية الأمم المتحدة وضمان استمرار تركيز الجهات اليمنية على هذا الجهد.
ودان بلينكن أيضاً الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على السفن التجارية العاملة في المياه الدولية في جنوب البحر الأحمر، مشدداً على ضرورة تعاون جميع الشركاء لدعم الأمن البحري. وبحسب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، فإن بلينكن أكد الحاجة الملحة لتلبية الحاجات الإنسانية في غزة ومنع مزيد من انتشار الصراع وتعزيز الاستقرار والأمن الإقليميين.
والأربعاء الماضي، قال مسؤول دفاعي إن البحرية الأمريكية أسقطت طائرة مسيّرة أطلقتها ميليشيات الحوثي نحو البحر الأحمر.
الحوثي يرجو ضربه
وبين حين وآخر يطلق الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات صواريخ ومسيّرات مفخخة، يرجح أنها إيرانية الصنع والتنفيذ، في إطار ما يقولون إنه “استهداف إسرائيل” عقب حرب الأخيرة على قطاع غزة إثر الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما أثار سخرية قطاع واسع من اليمنيين الذين طالبوا الجماعة بكف أذاها عنهم وصرف مرتباتهم التي تحتجزها منذ سبعة أعوام وإيقاف نهجها القمعي والتحشيد الطائفي، معتبرين تحقيق ذلك “أكبر نصر للمستضعفين في اليمن وفلسطين”.
استراتيجياً، يحذر مراقبون من خطورة التصعيد الحوثي في السواحل الغربية اليمنية وما سيترتب عليه من توترات قد تصل إلى إشعال حرب مائية في البحر الأحمر وجر البلاد المنهكة إلى حروب إقليمية ودولية بالوكالة، في ظل توجه واشنطن لإنشاء قوة دولية لحماية الأمن البحري أخيراً، فيما يقلل آخرون من أهمية ذلك باعتبار الحوثي مشاغباً منفلتاً بيد إيران لا قوة له إلا على اليمنيين العزل هدفه التحرش بإسرائيل سيشكل دخولها معه انتصاراً معنوياً ظل يبحث عنه منذ فترة طويلة لشرعنة الانقلاب ومنحه شعبية ترفع أسهمه ويثبت بقتاله لأميركا وإسرائيل انتصاراً للشعار الذي يرفعه، معتبرين دخوله في حرب مباشرة مع إسرائيل “أمنية يتمنى الحوثي تحقيقها ما لم تكن الضربات مؤثرة وموجعة تعمل على شل قدراته العسكرية”.
وكانت ميليشيات الحوثي قرصنت في الـ19 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي سفينة يابانية من الممر المائي الدولي في البحر الأحمر، كان على متنها عشرات البحارة من جنسيات مختلفة على خلفية الحرب بين غزة وإسرائيل.
السياسة بغطاء غزة
في البعد السياسي لهذه التطورات، يقول الكاتب السياسي اليمني خالد سلمان إن “الحوثي يشاغب مع إسرائيل وعينه على تنمية شعبيته بين أوساط العسكريين في الجيش الوطني”.
ويشير إلى أن مساعي استعطاف الجيش التابع للشرعية يأتي “استعداداً لإنجاز الفصل الثاني من تسليم المعسكرات والمناطق بلا حرب”.
ويضيف أن “حماس” ومعها حركة “الجهاد الإسلامي” امتدحتا “بنبرة عالية دعوة الحوثي إلى توسيع أعمال القرصنة في باب المندب وانتقال التهديد من استهداف السفن الإسرائيلية إلى كل السفن المتجهة إلى إسرائيل”، ليخلص إلى أن “التنظيمات الطائفية الممولة من طهران لم تطلب من هذه الأخيرة اتخاذ الموقف ذاته في مضيق هرمز، الواقع في جزء كبير منه ضمن مياه إيران الإقليمية، إذ تكتفي طهران بمهرج حوثي يمتلك السلاح ويفتقر إلى الاستراتيجية”.
في حين يقول الكاتب همدان العليي إن الجماعة لا يمكن أن تعيش وتتكاثر إلا في بيئة الحروب والدماء، ولا يمكنها العيش في ظل دولة عادلة مستقرة.
ويضيف “لهذا تجد الحوثيين يفرحون بالحروب والمعاناة بل يصنعون الفوضى والدمار ليستفيدوا من هذا الوضع”.
ويردف “كما تقتات هذه العصابة على معاناة اليمنيين، كذلك تعمل على استثمار واستغلال معاناة أهلنا في غزة لتحقيق مكاسب مالية وسياسية وطائفية في شبه الجزيرة العربية لمصلحة مشروع الخميني”.