قال مسؤولون لدى وزارة الصحة في غزة اليوم الخميس إن ستة فلسطينيين قتلوا بينما أصيب العشرات بنيران إسرائيلية حين كانت حشود من السكان تنتظر شاحنات المساعدات في مدينة غزة.
وأفاد سكان ومسؤولون صحيون بأن الفلسطينيين كانوا يهرعون إلى الحصول على مساعدات عند دوار الكويت شمال مدينة غزة في وقت متأخر أمس الأربعاء عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار، فيما لم يرد الجيش الإسرائيلي بعد على طلب للتعليق على الواقعة.
من جهته قال البيت الأبيض إنه لا يستطيع التأكيد ما إذا كانت إسرائيل تخطط لنقل السكان خارج مدينة رفح، ودعا البيت الأبيض اليوم الخميس إلى إجراء تحقيق سريع في غارة جوية إسرائيلية على منشأة توزيع غذاء تابعة للأمم المتحدة في غزة.
وقالت إسرائيل إن الغارة أسفرت عن مقتل أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بينما قال مسؤولون في قطاع الصحة الفلسطيني إنها أودت بحياة أربعة أشخاص آخرين بينهم موظف في الأمم المتحدة.
وقال المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي للصحافيين إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ حيال الغارة، داعياً الإسرائيليين إلى إجراء تحقيق سريع لمعرفة ما حدث بالضبط.
مشاهد فوضوية
وأدى الصراع في غزة إلى نزوح غالبية سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وكانت هناك مشاهد فوضوية وحوادث مميتة أثناء توزيع المساعدات، بينما يتدافع الناس الذين يعانون قسوة الجوع للحصول على الغذاء.
وقالت السلطات الصحية الفلسطينية في الـ 29 من فبراير الماضي إن القوات الإسرائيلية قتلت بالرصاص أكثر من 100 فلسطيني بينما كانوا ينتظرون تسليم مساعدات قرب مدينة غزة، وألقت إسرائيل باللوم في الوفيات على الحشود التي حاصرت شاحنات المساعدات قائلة إن الضحايا ماتوا نتيجة التدافع أو الدهس.
أما في مخيم النصيرات وسط غزة فقال مسؤولو صحة فلسطينيون إن ثمانية أشخاص قتلوا خلال غارة جوية إسرائيلية استهدفت مركزاً لتوزيع المساعدات اليوم الخميس.
وقال مسعفون فلسطينيون إن صاروخاً إسرائيلياً أصاب منزلاً في دير البلح وسط قطاع غزة مما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص اليوم، وأفاد سكان بأن القصف الجوي والبري الإسرائيلي استمر خلال الليل على مناطق في أنحاء القطاع، بما في ذلك رفح في الجنوب حيث يعيش أكثر من مليون نازح.
سفينة الأغذية
ومن المرتقب وصول سفينة تحمل 200 طن من الأغذية وتتقدم ببطء في اليوم الـ 60 بعد المئة للحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة “حماس” مع تسارع الجهود لإدخال مزيد من المساعدات إلى القطاع المحاصر والذي يقف على شفا المجاعة.
وفيما لا يتوقع التوصل إلى اتفاق هدنة قريباً بعد أكثر من خمسة أشهر من بدء الحرب، يمطر الجيش الإسرائيلي مختلف أنحاء غزة من دون توقف بالصواريخ والقذائف التي أوقعت 69 قتيلاً خلال 24 ساعة حتى صباح الخميس، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة “حماس”.
وأحصت حكومة “حماس” أكثر من 40 غارة جوية على خان يونس ورفح في الجنوب، وكذلك على النصيرات وجباليا وبيت حانون في شمال القطاع، وكذلك استهدفت نيران المدفعية الكثيفة شرق رفح وخان يونس في الجنوب والزيتون وبيت حانون في الشمال.
أما جنوب مدينة غزة فقال شهود عيان إن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على حشد من المواطنين ينتظرون ليلاً وصول المساعدات قرب دوار الكويت.
والخميس أكد طبيب قسم الطوارئ بمستشفى الشفاء في مدينة غزة لوكالة الصحافة الفرنسية “وصلتنا إصابات هذه الليلة من دوار الكويت، 86 إصابة وسبعة قتلى كلهم إصابات متفرقة بطلقات نارية مختلفة ومتعددة في جميع أنحاء الجسم بالصدر والأطراف”.
ولا يزال توزيع المساعدات داخل غزة صعباً وخطراً جراء الدمار الهائل، ولا سيما في شمال القطاع بسبب الانفلات الأمني وفقدان السيطرة على الوضع، ويقول مكتب “حماس” الإعلامي إن الجيش الإسرائيلي يطلق النار على عناصر الدفاع المدني والشرطة والعاملين في البلديات وحتى طواقم الإسعاف، ولا يمكنهم المساعدة في توزيع المساعدات، مما “يمعن في زعزعة الوضع الأمني”.
نهب المساعدات
ويتهم مواطنون في مدينة غزة “جهات قوية ومحتكرين” بوضع يدهم على المساعدات التي يحرم منها من هم بأمس الحاجة إليها، فالوضع حرج جداً في شمال القطاع حيث تهدد المجاعة نحو 300 ألف شخص لم ينزحوا إلى الجنوب.
ويشاهد السكان وهم يتطلعون إلى السماء يومياً على أمل الحصول على ما تلقيه الطائرات، لكن الكميات التي أسقطت محدودة، وقال مخلص المصري وهو يحمل كيس طحين على كتفيه في بيت لاهيا، “الجميع يتدافعون للحصول على صندوق لأطفالهم أو علبة تونة أو فول، وكل الناس جائعون ومنهكون”.
وفي في رفح جنوباً أظهرت لقطات مصورة اليوم الخميس حشداً يندفع لالتقاط بضعة أكياس من الطحين سقطت من شاحنة مساعدات.
ونددت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أمس الأربعاء بالقصف الذي استهدف أحد مستودعاتها لتوزيع الأغذية في رفح، مما أدى إلى مقتل أحد موظفيها وإصابة 22 بجروح.
وذكرت وزارة الصحة التابعة لـ”حماس” أن أربعة أشخاص قتلوا في القصف الصاروخي، بينهم محمد أبو حسنة الذي عرّفته على أنه مدير شرطة المركز.
لكن الجيش الإسرائيلي قال إنه استهدف أبو حسنة لأنه أحد كوادر “حماس”.
وتقول وكالات الإغاثة إن الشاحنات الداخلة إلى القطاع لا تلبي الحد الأدنى من الحاجات وإن إسرائيل تعوقها بسبب عمليات التفتيش المرهقة وحصارها المطبق على القطاع منذ اندلاع الحرب إثر هجوم غير مسبوق شنته حماس في السابع من أكتوبر 2023 وأدى إلى مقتل ما لا يقل عن 1160 شخصاً في إسرائيل معظمهم مدنيون، بحسب تعداد أجرته وكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى مصادر رسمية.
وتقول إسرائيل إنه لا يزال في غزة 130 رهينة يعتقد أن 32 منهم لقوا حتفهم من بين نحو 250 اختطفوا ذلك اليوم.
ورداً على ذلك توعدت إسرائيل حركة “حماس” التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007 بالقضاء عليها، وهي تنفذ في القطاع حملة عسكرية أسفرت عن دمار هائل مع مقتل 31341 شخصاً حتى اليوم الخميس، معظمهم مدنيون وفقاً لوزارة الصحة.
ومنذ أسابيع تشارك دول عدة يومياً في إنزال المساعدات جواً، لكن هذه الكميات تبقى محدودة.
سفينة “أوبن آرمز”
أما سفينة “أوبن آرمز” الإسبانية الخيرية الآتية من قبرص فقد رُصدت بعد ظهر اليوم قبالة أشدود إلى الشمال من غزة، وفق موقع تتبع حركة الملاحة “مارين ترافيك”، بينما تنتظر سفينة ثانية في قبرص عبور هذا الممر البحري وعلى متنها حمولة أكبر.
وبموازاة ذلك توجهت أربعة زوارق تابعة للجيش الأميركي إلى المنطقة محملة بالمعدات اللازمة لبناء رصيف لتفريغ المساعدات الإنسانية في غزة يستغرق 60 يوماً.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أمس الأربعاء خلال تفقد قواته إن “العنصر الإنساني الذي يجب معالجته بسرعة مع الوصول المتوقع للسفن هو قضية مركزية ستسهل إيصال الغذاء إلى السكان وليس إلى ’حماس‘”.
لكن الأمم المتحدة تؤكد أن إيصال المساعدات عبر البحر أو إنزالها جواً لا يمكن أن يحل محل الطرق البرية، وهو ما أكدته الولايات المتحدة وقبرص والإمارات والاتحاد الأوروبي وقطر في بيان مشترك قالت فيه إنه لا بديل عملياً للطرق البرية عبر مصر والأردن والمعابر الإسرائيلية لإيصال المساعدات بكميات كبيرة، مضيفة أنه من المقرر أن يعقد اجتماع الأسبوع المقبل في قبرص لإجراء مناقشات معمقة حول تفعيل الممر البحري.
ورأت هذه الدول أن فتح ميناء أشدود الإسرائيلي شمال غزة أمام المساعدات الإنسانية من شأنه أن يسهم في إيصال عدد أكبر من المساعدات.
وفي الوقت الحالي تنقل المساعدات براً بشكل رئيس من الأردن أو مصر إلى نقطتي تفتيش إسرائيليتين جنوب غزة، حيث تخضع لعمليات تفتيش طويلة ومرهقة.
لكن إسرائيل تنفي مسؤوليتها عن بطء دخول المساعدات، وقال رئيس هيئة الشؤون المدنية بوزارة الدفاع (كوغات) الكولونيل إيلاد غورين الخميس، “إذا أرادت الأمم المتحدة إدخال مزيد من المساعدات إلى شمال غزة فعليها إرسال مزيد من القوافل”.
وسمح الجيش الإسرائيلي أول من أمس الثلاثاء للمرة الأولى بدخول ست شاحنات تابعة لبرنامج الأغذية العالمي إلى شمال غزة، مما أحيا الأمل في تسريع عمليات التسليم لتلبية الحاجات الهائلة لنحو 2.4 مليون نسمة من سكان القطاع، معظمهم صاروا نازحين وفقدوا كل ما يملكونه.
الهجوم البري
كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخميس وعيده بالمضي قدماً في الهجوم البري الذي يعد له على رفح في أقصى جنوب القطاع، بقوله خلال زيارة قاعدة في الضفة الغربية “سوف ندخل رفح”، على رغم مخاوف المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، الحليف الرئيس لإسرائيل.
وينبع القلق من أن المدينة محاذية للحدود المغلقة مع مصر ويتكدس فيها وفقاً للأمم المتحدة نحو 1.5 مليون فلسطيني معظمهم نازحون.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمس الأربعاء إن حماية المدنيين والمساعدات الإنسانية يجب أن تكون أولوية بالنسبة إلى إسرائيل.
وصرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري الأربعاء حول إنشاء “جزيرة إنسانية” لنقل سكان رفح إليها قبل الهجوم، على أن توفر لهم “مساكن موقتة وطعام ومياه ومستشفيات ميدانية”.
ودبلوماسياً تسعى واشنطن مع قطر ومصر للتوصل إلى اتفاق على هدنة لأسابيع عدة بين إسرائيل و”حماس”، بينما قال رئيس حركة “حماس” إسماعيل هنية الليلة الماضية إن “التوصل إلى اتفاق لا يزال متاحاً”، داعياً إسرائيل التي التخلي عن “تعنتها”.
وترفض إسرائيل وقفاً نهائياً لإطلاق النار وتريد فقط وقف القتال للإفراج عن الرهائن الذين تطالب بأدلة على الأحياء منهم.
مخاوف المجاعة
ومع دخول الحرب الآن شهرها السادس حذرت الأمم المتحدة من أن ما لا يقل عن 576 ألف شخص في غزة، أي نحو ربع السكان، على حافة المجاعة، ويتزايد الضغط العالمي على إسرائيل للسماح بوصول مزيد من المساعدات إلى القطاع.
وتنفي إسرائيل عرقلة وصول المساعدات إلى غزة ملقية بمسؤولية التأخير في توزيعها على وكالات الإغاثة، ومتهمة “حماس” بتحويل المساعدات والتي بدورها تنفي ذلك وتقول إن إسرائيل تستخدم سلاح الجوع في هجومها العسكري.