قالت وسائل إعلام سودانية اليوم الثلاثاء إن استخبارات الجيش اعتقلت عددا من الضباط بمنطقة وادي سيدنا العسكرية في أم درمان بتهمة “الإعداد لانقلاب”، ونقلت صحيفة “السوداني عن مصادر لم تسمها القول إن حملة الاعتقالات “استهدفت ضباطا نشطين في إدارة العمليات بأم درمان بصورة خاصة”.
لكن مصادر قالت لقناتي “العربية” و”الحدث”: “إن ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول وجود ترتيب لمحاولة انقلابية في البلاد انطلاقا من أم درمان لا أساس له من الصحة” معتبرة بأن “الهدف من تلك الشائعات هو خلق الإحباط والتشويش على عمليات التقدم والانفتاح التي تمت في مدينة أم درمان، مؤخراً من جانب القوات المسلحة”.
وكان عطاف محمد خطار رئيس تحرير “السوداني” قد كشف في تصريح لقناة “العربية” “إن اعتقالات الضباط تمت لمخالفتهم الأوامر العسكرية وليس بتهمة الانقلاب، وذلك لقيامهم بحملة عسكرية ضد قوات الدعم في أم درمان دون التنسيق مع القيادة العسكرية”. و”أضاف أن الأمر لا يمكن حسمه أو فصله إلا عبر محكمة عسكرية وتحقيق عسكري”.
وفي حين رأى مراقبون أن الحديث عن الانقلاب بأي شكل كان يشير إلى أن الجيش السوداني بدأ يتفكك من الداخل، قال مصدر عسكري من قاعدة وادي سيدنا لصحيفة “السوداني”، “إن اعتقالات الضباط تزامنت مع زيارة عضو مجلس السيادة، مساعد القائد العام للجيش، الفريق إبراهيم جابر، لمنطقة وادي سيدنا العسكرية”.
وذكر مصدر مطلع أن الضباط المعتقلين هم “قائد المتحرك الاحتياطي في معسكر سركاب… ومدير الإدارة الفنية بالدفاع الجوي ومسؤول الرادارات وأجهزة التشويش المضاد للمسيرات… ومسؤول عمليات الدعم والإسناد الاستراتيجي لمواقع المدرعات والشجرة”.
انقطاع خدمة الاتصالات
إلى ذلك، يعيش معظم السودانيين أياماً صعبة في معظم مناطق البلاد، بسبب انقطاع تام لخدمة الاتصالات، مما ترك تداعياته خصوصاً على القطاع المصرفي وتطبيقاته الخاصة بتحويلات النقود في ظل شح السيولة، وذلك قبل أن تعود الخدمة تدريجاً، أمس الإثنين، في ولاية الجزيرة والأبيض وبورتسودان وعطبرة بعد ربطها بالكوابل البحرية، في وقت تتصاعد حدة المواجهات العسكرية بين الجيش وقوات “الدعم السريع” بخاصة في مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري في ظل تبادل الطرفين عمليات القصف المدفعي العنيف من منصاتهما المختلفة، فضلاً عن تزايد معاناة النازحين بسبب انعدام الغذاء والدواء.
وتوقفت، الأحد، خدمات شركات الاتصالات الثلاث في السودان (سوداني، وأم تي أن، وزين) في معظم المناطق، وسط اتهامات متبادلة من طرفي الصراع عن مسؤولية قطع الشبكة.
ودان محامو الطوارئ في السودان قطع شبكات الاتصال والتعدي على المقسمات الرئيسة لشركاتها، لما تسببه من أضرار جسيمة تلحق بالحياة اليومية للمواطنين، مبدين مخاوفهم من أن يشكل قطع الاتصالات غطاء لجرائم وانتهاكات.
المواجهات العسكرية
ميدانياً، تواصلت العمليات العسكرية بين طرفي القتال بوتيرة عنيفة، وأطلقت قوات “الدعم السريع” قذائف مدفعية عدة من مواقع تمركزاتها، شرق وجنوب الخرطوم باتجاه محيط القيادة العامة في وسط العاصمة وسلاح الإشارة جنوب بحري والمناطق العسكرية بأم درمان، بينما صوب الجيش مدفعيته الطويلة المدى من قاعدة وادي سيدنا العسكرية بشمال أم درمان، مستهدفاً تجمعات وتمركزات “الدعم السريع” بعدد من أحياء مدينة الخرطوم، وسمع دوي انفجارات قوية وتصاعد لأعمدة الدخان في عدد من المواقع بمدينتي الخرطوم وبحري، بينما تراجعت العمليات البرية، بخاصة في مدينة أم درمان التي بدأت مطلع يناير (كانون الثاني)، عقب تقدم الجيش حتى منطقة البوسطة الواقعة بعمق المدينة.
وتشهد ضواحي منطقة جنوب الخرطوم استقراراً نسبياً، لا سيما بعد عودة أعداد كبيرة من الأسر إلى منازلها، بخاصة مناطق الأزهري وسوبا والكلاكلة والشقيلات وطيبة وصولاً إلى جبل أولياء.
وبحسب شهود، قصف الطيران الحربي ارتكازات لـ”الدعم السريع” بجنوب ولاية الجزيرة قرب مدينة سنار، ونفذ غارات عدة على مواقع الأخيرة بجسر بيكة بوسط الولاية، كما شملت الغارات الجوية قسم شرطة الأوسط بمحلية ود مدني الكبرى مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى.
وأعلن قائد الفرقة التاسعة المحمولة جواً بالجيش السوداني اللواء ركن وليد عجبنا انتهاء العمليات الدفاعية للقوات المسلحة وبداية العمليات الهجومية. وقال لدى مخاطبته جمعاً من العسكريين إن “سير العمليات يمضي بوتيرة جيدة ومتسارعة محققة الإنجاز تلو الإنجاز”، مؤكداً “أن ما تبقى من أم درمان القديمة قليل جداً”.
معاناة النازحين
وبلغت معاناة النازحين الذين فروا من ولايتي الخرطوم والجزيرة باتجاه المدن الآمنة كعطبرة وبورتسودان وكسلا حداً لا يوصف جراء ارتفاع الأسعار بخاصة إيجارات الوحدات السكنية التي تضاعفت أكثر من 500 في المئة على رغم افتقارها الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء.
وأطلقت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في السودان نداء استغاثة يطالب المجتمع الإقليمي والدولي ممثلاً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي ودول الترويكا والمنظمات الإنسانية تدارك الوضع الإنساني الحرج الذي وصلت إليه معسكرات النازحين بإقليم دارفور الذي يرتقي لدرجة الكارثة الإنسانية، من خلال إرسال مساعدات عاجلة لسد حاجة المحتاجين في هذه المعسكرات من الغذاء والدواء ومياه الشرب والمأوى. وبحسب بيان للمنسقية، فإن هؤلاء النازحين ظلوا يعتمدون، أكثر من 20 عاماً على صرف الحصص الغذائية من قبل برنامج الغذاء العالمي كل شهر، لكن توقف صرف هذه الحصص منذ أشهر أدى إلى ندرة المواد الرئيسة للغذاء في ظل عدم تمكن المجتمعات المستضيفة من زراعة المحاصيل الزراعية، خلال الخريف الماضي، بسبب الحرب، مما أحدث أزمة مجاعة حقيقية.
وحض البيان طرفي الصراع على تحكيم صوت العقل ووقف التعبئة والحرب فوراً، من دون قيد أو شرط، وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين، فضلاً عن عدم إغفال قضية تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وذويهم والعمل على عدم إفلات المجرمين من العقاب.
انفتاح للسلام
سياسياً، أكد نائب رئيس مجلس السيادة في السودان مالك عقار انفتاح الحكومة السودانية على السلام في ظل رغبة جادة بإنهاء الحرب معرباً عن تفاؤل حكومته بالطريق إلى الأمام عبر منبر جدة، أشار عقار، في منشور على “فيسبوك”، إلى أنه بحث مع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي متطلبات وقف إطلاق النار، ونوه بأنه أبلغ المسؤول الأممي ملاحظات السودان التي تقدم بها في شأن آلية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيغاد” والآلية الموسعة للاتحاد الأفريقي، إلى جانب مبادرة دول الجوار، وكذلك الملاحظات التي تتعلق بمنهج منبر جدة للسلام، وأعرب غراندي عن حزنه للوضع الحالي الذي يعانيه السودان، مؤكداً أن الأولوية الرئيسة للمفوضية ستكون لدعم النازحين داخلياً وخارجياً.
شراكة وطنية
في الأثناء، عقد “حزب الأمة القومي” و”حركة جيش تحرير السودان” بقيادة عبدالواحد محمد نور لقاء تشاورياً بجوبا عاصمة جنوب السودان. وبحسب بيان مشترك، فإن الجانبين اتفقا على ضرورة وقف الحرب فوراً ومعالجة جذورها والتصدي لإفرازاتها الاجتماعية والإنسانية وفق شراكة وطنية حقيقية بين كل القوى السياسية، وأكد الجانبان بناء جبهة وطنية لا تستثنى أحداً عدا المؤتمر الوطني وواجهاته.
دعم طهران
دبلوماسياً، التقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وزير الخارجية السوداني علي الصادق كأول مسؤول سوداني يزور طهران بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أعقاب قطيعة دامت نحو سبع سنوات.
وعبر رئيسي، خلال اللقاء، بحسب وكالة “مهر” للأنباء، عن دعم بلاده لإقامة حكومة قوية في السودان وسيادة وسلامة أراضيه، فضلاً عن ترحيبه بطلب الخرطوم إحياء العلاقات بين الدولتين، مما يمهد الأرضية لتعويض الفرص الضائعة وخلق فرص جديدة، وأشار إلى الطاقات الكامنة لدى البلدين والإرادة المتبادلة لدى المسؤولين لتعزيز التعاطي السياسي والاقتصادي والثقافي، معتبراً أن تبادل السفراء وإعادة فتح السفارتين في طهران والخرطوم عمل مهم لإحياء وتطوير العلاقات بين البلدين.